العرب والأوروبيون.. حوار حول المسألة «الإخوانية»
يستشف الإنسان من ممارسات «الإخوان» تجاه المجتمعات الأوروبية التي يقيمون فيها بأنها ممارسات عقيمة قائمة على فكر عقيم، وهذا النمط من الفكر العقيم هو المنبع الأساسي لمزايدات «الإخوان» تجاه الآخرين، فهو فكر يثير الحساسية الشديدة في أوساط الشعوب الأوروبية، ويستعديها ضد الإسلام ذاته بقدر كبير في الوقت نفسه الذي يؤجج فيه الرغبة في العنف والإرهاب تجاه المجتمع في أوساط الكوادر «الإخوانية» أكثر من كونه يؤسس ويؤطر لديهم فكراً راسخاً يقارعون به الآخرين، أو ينمي لديهم القدرات الذهنية والحركية، ويزكي الفعالية المجتمعية.
وعليه، فإن العرب في علاقاتهم المستقبلية مع أوروبا، ومن ضمن ذلك الفكر العربي مدعو إلى أن يعترف بمفهوم الحوار البنّاء كأحد المفاهيم الأساسية في الفكر المعاصر وفي علاقات الشعوب ببعضها، وفي القدرة على هزيمة الفكر «الإخواني» تجاه أوروبا والعالم الغربي بأنها دار الحرب، بل إن العرب مدعوون للاعتراف بالحوار ليس مفهوماً فقط، وإنما حقيقة أزلية واقعة، فلولا الحوار لما كان التفاهم، ولما كانت الاستمرارية لشعوب الأرض.
إن الأمم الحية هي وحدها التي تعي بأن الحوار هو الوسيلة الناجعة من أجل إزالة العوارض السلبية التي تطرأ بينها وبين الآخرين. مثل هذه الأمم هي التي تدرك معنى الحوار وحجمه والثمن الذي يتحتم دفعه في مقابل نجاحه. وإذا استطاع مشروع الحوار والجدل مع الأوروبيين حول مخاطر وجود «الإخوان» في أوروبا أن ينجح على أسس وقواعد صحيحة، فإنه سيتيح لكلا الطرفين العديد من فوائد تحقيق المصالح المشتركة التي تنفعهما في علاقاتهما المستقبلية وتهيئ لانطلاقة جديدة في ظل ما يمر به عالم اليوم من مشاكل وتغيرات زلزالية. وربما لا يكون الحوار في هذه المرحلة حاسماً، لكن من الضروري أن يبدأ وأن يستمر من أجل حسم مشكلة وجود «الإخوان» غير المنضبط في أوروبا مستقبلاً، فالحسم لن يتم إلا بعد جهود ذاتية وجماعية من قبل جميع الدول العربية، وذلك من أجل الإمساك بأول الخيط الذي يقود إلى الخلاص من شرور جماعة «الإخوان»، ومن الإرهاب والعنف الذي تمارسه، بما في ذلك العنف والإرهاب الفكري.
إن وجود «الإخوان» في أوروبا بهذا الشكل المنفلت الذي لا ضوابط قانونية خاصة عليه يهدد كل من أوروبا والعالم العربي، ويحتاج إلى وقفة، خاصة من قبل الأوروبيين، وكلا الطرفين في حاجة إلى تشكيل الوعي الاجتماعي، بحيث يصبح متواصلاً لا تمنعه الاختلافات السياسية والفكرية من التواصل والحوار والتفاهم المشترك المباشر.
وبهذا الصدد يحتاج العالم العربي إلى العمل الجاد الدؤوب لكي يتمكن من الارتقاء بمستوى المفاهيم الأصلية حول «الإخوان» من زاوية أنهم ليسوا كما يدعون بأنهم جماعة دعوية مسالمة هدفها الرئيس الدعوة والإصلاح الاجتماعي، وذلك ليس من أجل كشف أكاذيب وتلفيقات «الإخوان» على المجتمعات الأوروبية فقط، ولكن من أجل إقناعها بضرورة الحد من نشاطات «الإخوان» السياسية والاجتماعية في أوساط المجتمعات الأوروبية، وذلك من أجل إنجاز فهم مشترك ومتبادل وبشكل دقيق وواضح يكشف حقيقة الصورة الزائفة التي يرسمها «الإخوان» لأنفسهم في المجتمعات الأوروبية. إن الفهم الصحيح لحقيقة «الإخوان» الذي يمكن للعرب أن يوصلوه إلى المجتمعات الأوروبية لن يصبح فعالاً ومجدياً ما لم تتشكل إرادة عربية جماعية توصل الصوت العربي، من خلال لعبة المصالح الاقتصادية أولاً، وبوضح تام لإثراء الفهم وإيصاله إلى أقصى حد ممكن من التنسيق والتفاهم.
لذلك، فإن المطلوب ليس المناداة المجردة من قبل هذا الكاتب أو ذاك المفكر بضرورة الحوار مع الأوروبيين حول المسألة «الإخوانية» في أوروبا وكفى، إنما لا بد من إثراء هذه الضرورة بحقائق سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وثقافية وحضارية تصب في خانة دعم «الإخوان» للعنف والإرهاب، والدعوة إلى التخريب والإخلال في أوساط المجتمعات الأوروبية إلى أن تتشكل الإرادة الجمعية الكفوءة والفاعلة، والمتجهة إلى دعم وإثراء المساعي البشرية للقضاء على الإرهاب، وذلك يمكن أن يتأتى عبر منظومة حية من العناصر المادية والمعنوية التي لا يمكن وجودها إلا بجهود مشتركة بين العرب والأوروبيين، تكون المفاهيم المستخدمة فيها هي الحوار والتفاهم وتقبل الآخر.
*كاتب إماراتي