تُعد معارض الكتاب نقاط جذب كبيرة في كل بلدان العالم تقريباً. وأكبر معرض للكتب في آسيا، وثاني أكبر معرض للكتب في العالم هو «معرض نيودلهي الدولي للكتاب» الذي يزوره الملايين من عشاق الكتب كل عام. وعلى مدى الخمسين عاماً الماضية، جذب المعرض الآلاف من عشاق الكتب والقرّاء والمؤلفين والناشرين والخبراء والمتخصصين في مجال التربية والتعليم والطلبة وعشاق الأدب من حول العالم.
النسخة الأحدث من «معرض نيودلهي الدولي للكتاب»، التي أقيمت مؤخراً، استقطبت حشوداً ضخمة من عشاق الكتب الذين غصّت بهم جنبات المعرض الذي شاركت فيه بلدانٌ أجنبية ومنظماتٌ دولية من مختلف أنحاء العالم من أجل تقديم لمحة عن تقاليدها الأدبية الغنية وتراثها الثقافي. كما استضاف المعرض مناقشات أكاديمية، وساهم في زيادة الاهتمام بالأدب بين السكان واستخدام الذكاء الاصطناعي لدعم قطاع النشر بين الدول.
وتُعد مشاركة الدول في معارض الكتب أحسن وسيلة للتفاعل مع الشعوب، واكتشاف ثقافاتها، والاطلاع على التحولات المجتمعية من خلال كتابات المثقفين والشعراء والقصص المتعلقة بالقضايا الاجتماعية، والأهم من ذلك من خلال النقاش، والالتقاء مع ألمع العقول والكتّاب في العالم المعاصر.
في الدورات السابقة، لم يكن يشارك في أكبر معرض للكتب في آسيا سوى بلد واحد أو بلدين من العالم العربي، ومن دون أجنحة أو أروقة كبيرة، ومن دون عروض فنية أو أدبية أو ثقافية. ولكن هذا العام، فوجئ عشّاق الكتب والزوار بزيادة عدد الأجنحة المشاركة من الدول العربية وكتب اللغة العربية، وهو ما أثلج صدور المئات من طلبة اللغة والأدب العربيين بشكل خاص، وجعلهم يقبلون على شراء الكتب التي لم تكن متاحة لهم من قبل. والجديد أيضاً في نسخة هذه السنة هو عدم اقتصار المعرض على الأدب، وسعيه للعب دور منصة لعرض تراث البلدان المختلفة ولكن أيضاً لدعم التعليم العالي، وتعزيز الروابط الثقافية. وعلى سبيل المثال، فإن مملكة المملكة العربية السعودية، التي كانت ضيف الشرف هذا العام، عرضت باعتزاز كتباً عن تاريخ وثقافة السعودية، إلى جانب كتب أدبية لكتّاب سعوديين مشهورين.
كما كان هناك جناح لـ«مركز أبوظبي للغة العربية» الذي عرض بشكل بارز منشورات أصدرها في إطار مشروعي «كلمة» و«إصدارات». وقدّم عرضاً مثيراً للإعجاب استعرض فيه الترجمات العربية لأعمال مختارة وفريدة لكتّاب بارزين من الشرق والغرب، وفائزين بجائزة نوبل وبجائزة بوكر. وكانت هذه الترجمات من لغات مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية إلخ. كما عرض المركز أعمالاً أصلية صادرة باللغة العربية لمؤلفين من الخليج العربي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وغطّت هذه المنشورات جوانب مختلفة من تاريخ المنطقة، والإنجازات العلمية والفكرية والفنية للحضارتين العربية والإسلامية، وجهود المركز لتعزيز التبادل الأدبي بين الثقافات.
ومن بين المشاركات أيضاً جناح «معرض الشارقة الدولي للكتاب» الذي ركز على عرض أعمال لكتاب إماراتيين مترجمة إلى اللغات الهندية والأردية والمالابارية، غير أن أكبر عامل جذب في نسخة هذا العام من معرض الكتاب كان جناح «مجلس حكماء المسلمين» الذي استقطب اهتماماً كبيراً. المجلس، الذي يوجد مقره في العاصمة الإماراتية أبوظبي، أحضر عدداً من إصداراته التي تركز على تعاليم الإسلام لنشر رسالة الوحدة والتعايش السلمي والتسامح في المجتمع والاعتدال. وكانت معظم الكتب التي عرضها من أعمال علماء أجلاء وأفاضل من الأزهر الشريف الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ألف عام، ومن أعمال شيخه الإمام الأكبر.
المجلس عرض كتباً عربية إلى جانب ترجمات بعض كتبه باللغتين الهندية والأردية ولغات هندية أخرى، ما جعل جناحه نقطة جذب متميزة في المعرض. اهتمام أظهر تعطش الطلبة الهنود لهذا النوع من المصنفات بسبب ندرة كتب اللغة العربية والأدب والفقه وموضوعات، مثل المنطق والأخلاق في الهند. وقد أظهر الإقبال الكبير على هذه الكتب أنه سيكون من المفيد للدول العربية الأخرى أن تشارك في هذا المعرض في دوراته المقبلة. فلا شك أن تسجيل أكثر من 1.9 مليون زائر في أسبوع واحد دليل قوي آخر على أن عشّاق الكتب ما زالوا يفضلون النسخ الورقية من الكتب على النسخ الإلكترونية أو الرقمية.
الهند بلد يجد فيه كل دين في العالم مكاناً له. ومن هذا المنطلق، وللتأكيد على أهمية المساهمة في خلق جو من الوئام والانسجام، رعى المجلس حوارات ونقاشات من أجل توفير منصة لتعزيز الخطابات الفكرية. كما نُظمت عدد من الندوات للبعث برسالة مؤداها أن لا دين يدعو إلى الكراهية والعداء. وفي هذا الإطار، قُدّمت عروض من قبل زعماء وشيوخ طوائف دينية مختلفة إلى جانب أكاديميين وصحافيين وقانونيين. ومما لا شك فيه أن تجربة التعايش بين الأديان انبثقت عن المبادئ والقيم والتطلعات الكونية التي تربط الناس معاً كأسرة واحدة. وهناك حاجة لفتل القواسم المشتركة بين الديانات المختلفة وتمتينها من أجل جعل هذه الأرض موطناً صالحاً للعيش بالنسبة للجميع. ومن المهم التركيز أكثر على الهند وبلدان أخرى من المنطقة لنشر رسالة الأخوة الكونية لأن التسامح جزء أساسي من السلام والاستقرار.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية نيودلهي