في وقت تعاني فيه منظمة التجارة العالمية من أزمة تهدد مستقبلها، وفي خضم تحديات اقتصادية وسياسية عالمية يصعب حصرها أو إيجازها هنا، استضافت أبوظبي اجتماعات المؤتمر الوزاري الـ13 للمنظمة. ولا بد أن خطوة كهذه محسوبة من قبل الإمارات التي تسعى مع مجموعة من الدول إلى تسهيل حركة التجارة العالمية، وتقوية العولمة الاقتصادية، وإنشاء ممرات تنموية جديدة تربط بين الدول والأقاليم.
ثم إن الاجتماع عُقد بالتزامن مع الذكرى الـ 30 لتأسيس المنظمة التي تعد أكبر تجمع عالمي، حيث تضم 164دولة، ومهمتها تنظيم التجارة العالمية باعتبارها تمثل 98% من حركة التجارة العالمية ومن إجمالي الناتج المحلي العالمي.
كلنا يعلم أن التجارة هي الأساس المحرك لدورة الاقتصاد عالمياً، لكونها تحفز الإنتاجية وعملية التنمية وتسهم في توفير فرص العمل، وكل ذلك يعزز تبادل الخبرات، ويدعم الابتكار، ويشجع ريادة الأعمال ويحفزها. ومع ذلك انخفض حجم تجارة السلع العالمية 0.8% عام 2023 رغم توقع العكس بعد بدء انكماش التجارة العالمية بدءاً من يوليو 2020.
وبالنظر إلى مخاطر ذلك التراجع، فإنه من المحتمل ألا يتم تحقيق معدل النمو المتوقع في هذا العام، أي 3.3%. وحتى الآن لا تزال العلاقات الدولية تشهد اضطراباً في بعض جوانبها، وهذا أمر طبيعي أمام حالة ضبابية المشهد بسبب التوترات السياسية والحروب، إلى جانب العديد من الأزمات الموجودة والمستفحلة في أكثر من بقعة من العالم. هذا بخلاف تزايد القيود التجارية بسبب الرغبة في الحفاظ على الأمن القومي، فأصبحت القيود واحدة من أبرز المعوقات التي تحول دون تطور عمل المنظمة وتسهيل التجارة البينية. لكن هل هذا يعني بوجوب إنشاء منظمة لتسوية النزاعات بين الدول الأعضاء لتسهيل عمليات التبادل التجاري وحركة التجارة العالمية!
المؤتمر الذي شهدته وشاركت فيه أبوظبي، ناقش القضايا المتعلقة بالتجارة العالمية وسلسلة الإمداد، كما تطرق المجتمعون فيه لجملة من المشاريع المتعلقة بالخلافات الشائكة القائمة بين بعض الدول الأعضاء في المنظمة. ومن مخرجات المؤتمر أن تم وضع آليات لتسهم في تمكين الدول النامية من المشاركة في النظام التجاري بشكل كامل، والاستفادة من التأثير الإيجابي للتجارة وزيادة وتيرة النمو الاقتصادي. كما أعلن المؤتمر عن دخول قواعد «تنظيم الخدمات المحلية» حيز التنفيذ بالنسبة لعدد من أعضاء المنظمة. فقد التزمت 72 حكومة - تمثل 92.5% من تجارة الخدمات العالمية - بتنفيذ تلك القواعد الجديدة كي تحصل تجارة الخدمات على دفعة قوية بهدف تسهيل التجارة، وتعزيز الشفافية، وتقليل الحواجز غير الضرورية التي تخلقها الإجراءات الإدارية لتجنيب الشركات التأخيرات والأعباء غير الضرورية، وخصوصاً الشركات الصغيرة والمتوسطة المهمة في تمكين اقتصادات الدول.
نتائج الاجتماعات التي تمت خلال المؤتمر تعزز التفاؤل بأن الدول أمام فرصة مهمة لتنشيط التجارة العالمية والنظام التجاري المتعدد الأطراف الذي له دور كبير في دفع النمو الاقتصادي، والحد من الفقر، وتعزيز الابتكار لعقود من الزمن، وذلك من خلال إصلاح المنظمة لتعزيز كفاءتها وفاعليتها، والاستفادة من التجارب الرائدة في بعض الدول، والتي ارتقت باقتصادها من خلال المسار الذي انتهجته ويقودها نحو الرخاء المستدام.
إن العالم بحاجة لمنظمة تجارة قوية، وحان الوقت للإيمان بتشكيل عالم أكثر استدامة، ولا مفر من تعاون الدول الأعضاء فيما بينها لتحقيق أهدافها الإنمائية، وسد الفجوة الرقمية، والاتفاق على قواعد توفر حلول لتحديات الاستدامة العالمية، بما في ذلك الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، وضمان أمن البلدان النامية الغذائي.