في عام 2007 دشن برنامج الأمم المتحدة للبيئة «فريق الموارد الدولية»، ليؤسس واجهة تجمع بين العلوم والسياسات، يكون هدفها الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، والتحذير من تداعيات سوء استخدامها، خاصة ما يتعلق بالأثر البيئي. الفريق يضم علماء بارزين من ذوي الخبرة في قضايا إدارة الموارد.
وتتمحور مهمة «الفريق» في دراسة الأسئلة الرئيسية حول استخدام الموارد العالمية، لإنتاج تقييمات تستخلص أحدث النتائج العلمية والتقنية والاجتماعية والاقتصادية لإرشاد عملية صنع القرار.
وخلال الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة (التي انعقدت خلال الفترة من 26 فبراير إلى 1 مارس 2024 في مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، كينيا)، أطلق «فريق الموارد الدولية» تقريره المعنون: «الموارد العالمية لعام 2024: ثني الاتجاه.. مسارات إلى كوكب صالح للعيش في طفرات استخدام الموارد»، بمشاركة باحثين من جميع أنحاء العالم، ويدعو التقرير لتغييرات شاملة في السياسات، لكبح النمو المتوقع في استخدام الموارد العالمية وفي الوقت نفسه تحقيق التنمية الاقتصادية وتحسين الرفاهية وتقليل الآثار البيئية.
التقرير الصادر في الأول من مارس الجاري، يشير بوضوح إلى أن العالم يمر بأزمة كوكبية ثلاثية تتمثل في تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث والنفايات، ذلك لأن الاقتصاد العالمي يستهلك المزيد من الموارد الطبيعية، في حين أن العالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تستخدم الدول الغنية موارد أكثر بستة أضعاف مقارنة بالدول ذات الدخل المنخفض، وتنتج 10 أضعاف، التأثيرات المناخية مقارنة بما تنتجه تلك الدول، وينبه التقرير من أن هذه الزيادة في معدلات استهلاك الموارد الطبيعية تفوق بكثير احتياجات الإنسان وقدرات الطبيعة.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن استخراج الموارد الطبيعية من الأرض تضاعف ثلاث مرات في العقود الخمسة الماضية، بسبب التراكم الهائل للبنية التحتية في أجزاء كثيرة من العالم والمستويات المرتفعة من استهلاك المواد، لا سيما في البلدان متوسطة الدخل.. من المتوقع أن يرتفع استخراج المواد بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2060، ما ينذر بعرقلة الجهود الرامية ليس فقط لتحقيق أهداف المناخ العالمي والتنوع البيولوجي والتلوث ولكن أيضاً الرخاء الاقتصادي ورفاهية الإنسان.
ويخلص التقرير إلى أن استخدام الموارد نما منذ عام 1970 وإلى الآن من 30 إلى 106 مليارات طن، أو من 23 إلى 39 كيلوغراماً من المواد المستخدمة في المتوسط للشخص الواحد يومياً، ضمن طفرة لها تأثيرات بيئية هائلة. وبشكل عام، يمثل استخراج الموارد ومعالجتها أكثر من 60 في المائة من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري و40 في المائة من الآثار الصحية الناجمة عن تلوث الهواء.
وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: «إن الأزمة الكوكبية الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ وفقدان الطبيعة والتلوث ناجمة عن أزمة الاستهلاك والإنتاج غير المستدامين.
ويجب علينا أن نعمل مع الطبيعة، بدلاً من مجرد استغلالها، وإن الحد من كثافة الموارد في أنظمة التنقل والإسكان والغذاء والطاقة هو الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفي نهاية المطاف الحفاظ على كوكب عادل وصالح للعيش للجميع». تكمن أوجه عدم المساواة الأساسية في قلب استخدام الموارد العالمية: فالبلدان منخفضة الدخل تستهلك مواد أقل بستة أضعاف وتولد تأثيرات مناخية أقل بعشر مرات من تلك التي تعيش في البلدان مرتفعة الدخل. وقد تضاعف استخدام الموارد في البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى في الخمسين سنة الماضية بسبب توسعها في تدشين البنى التحتية ونقل العمليات كثيفة الموارد من البلدان مرتفعة الدخل. وفي الوقت نفسه، ظل نصيب الفرد من استخدام الموارد والآثار البيئية ذات الصلة في البلدان منخفضة الدخل منخفضاً نسبياً ولم يتغير تقريباً منذ عام 1995.
وقال «جانيز بوتوتشنيك»، الرئيس المشارك للجنة الموارد الدولية: «لا ينبغي لنا أن نقبل أن تلبية الاحتياجات البشرية يجب أن تكون كثيفة الموارد، ويجب أن نتوقف عن تحفيز النجاح الاقتصادي القائم على استخراج الموارد الأولية.
ومن خلال اتخاذ إجراءات حاسمة من جانب السياسيين والقطاع الخاص، يصبح من الممكن توفير حياة كريمة للجميع دون أن نكلف كوكب الأرض الكثير». ويخلص التقرير إلى استنتاج مفاده أنه عندما يكون من الضروري استخدام الموارد لتحقيق النمو، فإنه يتعين وضع استراتيجيات لتعظيم المكاسب المتحققة من استخدام كل وحدة منها، وتلبية الاحتياجات البشرية بطرق لا تعتمد على كثافة الموارد، بحيث تتجاوز فوائد استخدام الموارد بكثير معدل استخراجها، وفي الوقت نفسه تظل التأثيرات البيئية والصحية متوافقة مع الالتزامات الدولية المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي والاستدامة. وأشار التقرير الصادر عن «فريق الموارد الدولية» التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبئية، إلى أن «كوب28» أقر في ديسمبر من العام الماضي التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، ليؤكد التقرير أنه قد حان الوقت لجلب الجميع إلى طاولة المفاوضات لوضع الحلول على مراحل لجعل ذلك ممكناً.
وقالت إيزابيلا تيكسيرا، الرئيسة المشاركة للجنة الموارد الدولية: «حان الوقت لتعزيز الحلول القائمة على الموارد فيما يتعلق بالمناخ والتنوع البيولوجي والإنصاف حتى يتمكن الجميع، في كل مكان، من العيش بكرامة». التقرير حذر من أنه إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة ومتضافرة للحد من الاستهلاك والإنتاج العالميين، فإن استخراج الموارد الطبيعية يمكن أن يرتفع بنسبة 60 في المائة عن مستويات عام 2020، مما يؤدي إلى زيادة الأضرار المناخية والمخاطر التي تهدد التنوع البيولوجي، وصحة الإنسان.
وأظهرت توقعات إدارة النفايات العالمية لعام 2024 أنه من دون تحول زلزالي بعيداً عن مجتمعات «الاستخراج والتصنيع وإنتاج النفايات» نحو الاقتصاد الدائري ونهج التخلص من النفايات، يمكن أن تنمو كومة النفايات في العالم بمقدار الثلثين بحلول عام 2050، وتكلفتها على الصحة وعلى الاقتصادات والبيئة ستتضاعف.