رغم غضبها من دعم الرئيس جو بايدن القوي لإسرائيل، فإن ليلى العابد لم تستبعد التصويت له في نوفمبر المقبل. ذلك أن العابد، وهي ناشطة أميركية فلسطينية تقدمية في ديربورن، وهي مدينة ذات أغلبية عربية أميركية بولاية ميشيغن، لا ترغب في رؤية دونالد ترامب في الرئاسة مرة أخرى. قالت لي أثناء جلوسنا في مقهى يمني عصري وواسع بالمدينة: «إن دونالد ترامب لم يكن أبداً صديقاً لمجتمعنا».

ولكن لاستعادة تأييدها، قالت العابد إن «الحد الأدنى» الذي ينبغي على بايدن القيام به هو إعادة النظر في علاقة أميركا بإسرائيل بشكل كامل، والمطالبة بوقف دائم للأعمال العدائية، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، على الأقل طالما أن الحرب مستمرة في قطاع غزة. والواقع أنه بالنظر إلى الدعم القوي لإسرائيل في كل الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري»، فإنني واثقة بأن قطع المساعدات لن يحدث قريباً.

غير أنه خلال تحدثي إلى العابد، شعرتُ بوجود هوة بين افتراضاتي وتوقعاتي المستسلمة حول كيفية اشتغال السياسة الأميركية وقناعاتها بخصوص ما هو ضروري من أجل تجنب مزيد من الموت الجماعي في غزة. والواقع أن دعم بايدن لإسرائيل قد يكون متوقعاً بالنظر إلى تأييده المعلن والنفوذ السياسي الذي يتمتع به مناصرو إسرائيل الأميركيون، ولكن الأمر بات لا يطاق بالنسبة لها ولآخرين مثلها. ولهذا، تدير العابد حالياً حملة «استمع إلى ميشيغن»، التي تهدف إلى إقناع الناس بالاحتجاج على طريقة تعامل بايدن مع الحرب عبر حجب أصواتهم عنه في انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية يوم الثلاثاء.

والأرجح أن بايدن لن يرضي أبداً أولئك الأكثر امتعاضاً من سياساته الشرق الأوسطية، غير أنه إذا لم يفعل المزيد من أجل السعي لذلك، فإنه سيكون معرضاً لخطر خسارة ميشيغن في انتخابات نوفمبر المقبل، وهو ما سيكلّفه الانتخابات على الأرجح. ذلك أن الولاية تضم أكبر نسبة من الناخبين العرب الأمريكيين في البلاد، وداخل هذا المجتمع -وكذلك بين العديد من المسلمين غير العرب والشباب والتقدميين- هناك شعور عميق بالغضب والخيانة تجاه بايدن بسبب وقوفه خلف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وقت تدمر فيه إسرائيل غزة. هؤلاء الناخبون سمعوا بايدن ينتقد القصف الإسرائيلي «العشوائي» و«المفرط» للمدنيين الفلسطينيين والبنية التحتية الفلسطينية، ولكنهم لا يرون إدارته تتخذ أي خطوات ملموسة لكبحه.

وبالنظر إلى قوة المشاعر المؤيدة لإسرائيل في بعض أوساط الحزب الديمقراطي، فإن القطع مع إسرائيل لطالما نُظر إليه على أنه خطير سياسياً. غير أن حجم الأصوات التي ستحتجب في ميشيغن الأسبوع المقبل سيكون مقياساً غير مثالي ولكنه سيكون مقياساً مفيداً لمعرفة إلى أي مدى أصبح التمسك بإسرائيل خطيراً أيضاً. وقالت العابد إن برنامج «استمع إلى ميشيغن»، الذي بدأ رسمياً قبل أسابيع فقط، يهدف إلى جمع 10 آلاف إلى 15 ألف صوت، أي ما يكفي «للبعث برسالة إلى جو بايدن وإدارته والحزب الديمقراطي مفادها أننا قوة سياسية». ويبدو أن فريق بايدن يدرك أنه يواجه مشكلة في ميشيغن. ففي أوائل هذا الشهر، أرسل الفريق مساعدين إلى ديربورن للالتقاء بزعماء عرب أميركيين، بمن فيهم زعيم من منظمة «استمع إلى ميشيغن». وفي الأسبوع التالي، أصدر بايدن أمراً يحمي آلاف الفلسطينيين في الولايات المتحدة من الترحيل لمدة الـ18 شهراً المقبلة.

وفي خطوة مهمة ضد التطرف، فرض عقوبات على المستوطنين العنيفين في الضفة الغربية. غير أنه طالما أن جهوده لا تعالج المعاناة الكارثية في قطاع غزة بشكل مباشر، فإنها لن تؤدي إلى تهدئة النشطاء. ولئن كان يبدو واضحا أن ترامب سيكون أسوأ بخصوص القضايا التي تهم الناشطين المؤيدين للفلسطينيين، فإن سعيهم الشديد لممارسة الضغط على بايدن يبدو أنه يفوق خوفهم من عودة ترامب، على الأقل في الوقت الراهن. ولذلك، يجب على بايدن سياسياً وأخلاقياً أن يقوم بأكثر من مجرد التنديد بالخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، ولاسيما أن إسرائيل تهدد بالهجوم على مدينة رفح الواقعة جنوب غزة، حيث يعيش أكثر من مليون نازح في ظروف قاسية.

وتشير تقديرات علماء أوبئة بارزين إلى أنه إذا عرفت الحرب تصعيداً، فإن 85 ألف شخص إضافيين قد يموتون في غزة خلال الأشهر الستة المقبلة. حاكمة الولاية غريتشن ويتمر قالت إن الأصوات الاحتجاجية في انتخابات ميشيغن التمهيدية لن تؤدي إلا إلى إضعاف بايدن قبل نوفمبر. وقالت لي في هذا الصدد: «إن كل صوت لا يدعم جو بايدن يزيد من احتمالية أن نحصل على رئاسة ثانية لترامب».

غير أن عدم أخذ مشاعر الاستياء من بايدن على محمل الجد يمكن أن يزيد أيضاً احتمالات فوز ترامب بالرئاسة. فقد وجدت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة استطلاعات الرأي «إيبيك – إم آر إيه» أن 53 في المئة من الناخبين في الولاية، و74 في المئة من «الديمقراطيين»، يؤيدون وقف إطلاق النار في غزة. كما أظهر الاستطلاع نفسه تقدّم ترامب في ميشيغن بـ4 نقاط، وإن كان ذلك يعادل هامش الخطأ في الاستطلاع. وقال «بيرني بورن»، منظِّم لاستطلاعات الرأي لصالح «إيبيك – إم آر إيه»: «إن ذلك يشير إلى فوز محتمل لترامب إذا لم تتغير الأمور بشكل دراماتيكي».

وبالنظر إلى مدى كارثية ولاية أخرى لترامب -بما في ذلك في إسرائيل حيث يحلم اليمين المتشدد بعودته- فإنني أجدُ الأشخاص الذين يهددون بحجب أصواتهم عن بايدن محيّرين ويبعثون على الجنون حقاً. غير أنه إذا كان «الديمقراطيون» يريدونهم أن يعودوا إلى رشدهم، فإن الاستماع إليهم أكثر فعّالية من إعطائهم الدروس والعظات.

* كاتبة وصحافية أميركية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»