على الرغم من أن المياه تغطي ثلاثة أرباع سطح الأرض، فإن نسبة العذب منها لا تتعدَّى 3 في المئة، 1 في المئة منها فقط صالحة للشرب. وتمثل النسبة الباقية (97 في المئة) مياه البحر، والمياه شبه المالحة، ولذا تُعد مياه البحر (تتراوح مستويات ملوحتها بين 25 و45 ألف ملجم/لتر) والمياه شبه المالحة (تصل ملوحتها إلى 10 آلاف ملجم/لتر أو أقل) الحل المستدام الوحيد لتوفير كميات المياه العذبة التي سيحتاج إليها البشر في المدى البعيد.
إن تحلية المياه، وهي عملية فصل الملح عن المياه المالحة أو شبه المالحة لإنتاج مياه عذبة، طريقة مشهورة ومعروفة، ولكنَّ تقنيات التحلية التقليدية، مثل التبخير والتكثيف، تستهلك طاقة كبيرة معظمها من الوقود الأحفوري، وتنجم عنها انبعاثات كربونية مفرطة تُقدَّر بنحو 30 كيلوجراماً من ثاني أكسيد الكربون لكل متر مكعب من المياه العذبة المنتجة.
ومن جهة أخرى، توفر تحلية المياه باستخدام الأغشية، مثل تحلية مياه البحر بتقنية التناضح العكسي، طريقة بديلة صديقة للبيئة وأكثر تقدُّماً. وتَستخدم هذه الطريقة أغشية شبه نفَّاذة لفصل أيونات الملح المذابة في المياه تحت تأثير الحرارة أو الضغط. ومع أن هذه التقنية تعتمد على الوقود الأحفوري أيضاً بوجه أو بآخر، فإنها تُنتج انبعاثات أقل من ثاني أكسيد الكربون تُقدر بنحو 4 كيلوجرامات لكل متر مكعب من المياه العذبة المنتجة، مقارنةً بأساليب التحلية الحرارية.
ولا تزال تقنية التناضح العكسي -برغم الطفرات الحاصلة فيها- تستهلك طاقة كبيرة تتسبَّب بإنتاج الانبعاثات الكربونية، فضلاً عمَّا يصاحبها من تأثيرات بيئية أخرى، ونتيجة لذلك يزداد التوجُّه يوماً بعد يوم نحو تبني نهج أكثر استدامة في هذه التقنية باستخدام مصادر طاقة متجددة، مثل الطاقة الشمسية والكتلة الحيوية وطاقة الأمواج وطاقة الرياح، في توليد الطاقة اللازمة لمحطات تحلية المياه العاملة بتقنية التناضح العكسي. ومع أن مَرافق تحلية المياه تُنشأ عادةً في المناطق النائية والجُزر والمناطق الساحلية، حيث يسهل تسخير مصادر الطاقة المتجددة، فإن انقطاع إمدادات هذه المصادر، وحدوث تقلبات فيها، يمثلان تحدياً تقنيّاً كبيراً لتحسين استدامة عملية تحلية المياه بتقنية التناضح العكسي.
ولمعالجة هذا التحدي يتم تطوير أنظمة طاقة متجددة هجينة تجمع بين مختلف مصادر الطاقة المتجددة، من أجل توفير مصدر طاقة أكثر ديمومة وموثوقية لمحطات تحلية المياه بتقنية التناضح العكسي. وتوجَد مساعٍ أيضاً إلى دمج أجهزة تخزين الطاقة، كخلايا الوقود والبطاريات، في أنظمة الطاقة المتجددة الهجينة، من أجل تخزين الطاقة الفائضة، وتوفيرها في الأوقات التي تقل فيها مصادر الطاقة المتجددة.
وقد استُخدمت خوارزميات إرشادية، مثل الخوارزميات الجينية، في تحسين حجم أنظمة الطاقة المتجددة الهجينة، وزيادتها موثوقيتها، وإيجاد حلول للمشكلات التي تواجه عملية تحسين الأنظمة عن طريق محاكاة نظرية الانتقاء الطبيعي بهدف الجَمْع بين الخيارات المختلفة للتوصل إلى أفضل النتائج. وأثبتت الخوارزميات الجينية فاعلية كبيرة في إيجاد حلول لحجم أنظمة الطاقة المتجددة الهجينة، ومعالجة مختلف العوامل التقنية والاقتصادية والبيئية. وأظهرت هذه التحسينات أن تنويع مصادر الطاقة المتجددة قد يكون أجدى وأنفع، غير أنه يتوقف على عوامل، مثل الموقع ومستوى الطلب على الطاقة.
تحلية المياه بتقنية التناضح العكسي قد تُعد حلّاً واعداً لمشكلات ندرة المياه، ولكنْ لا بدَّ من مواصلة تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين طرائق دمجها، حتى تصبح عملية التحلية أكثر استدامة. ويمكن للباحثين استخدام التقنيات المتقدمة لتحسين الأنظمة، مثل الخوارزميات الجينية، في تحديد «التوليفات» المُثلى لأنظمة الطاقة المتجددة الهجينة، التي من شأنها خفض التكاليف، وتقليص التأثيرات البيئية، وضمان موثوقية إنتاج الطاقة اللازمة لمحطات تحلية المياه بتقنية التناضح العكسي.
*أستاذ في كلية الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب بجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا