زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر تعكس الأهمية المتزايدة للعالم العربي بالنسبة للهند والتعاون المتزايد بين الجانبين. ولا شك في أن أهمية بلدان الخليج العربي تتعلق أيضاً بضمان عدم انقطاع إمدادات الطاقة عن الهند. وعلى سبيل المثال، فإن الهند تحصل على 70 في المئة من نفطها الخام من المملكة العربية السعودية، ناهيك عن جزء ضخم من التحويلات المالية التي يرسلها الهنود العاملون هناك. غير أن الجانب الأساسي في علاقات الهند مع بلدان الخليج العربي هو حقيقة أن أكثر من 7 ملايين هندي يعملون في دول الخليج المختلفة.
رئيس الوزراء الهندي قام بسابع زيارة له خلال قرابة 10 سنوات إلى الإمارات، حيث التقى بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، في أبوظبي الأسبوع الماضي. وتجمع بين الدولتين علاقات وثيقة ازدادت متانة خلال السنوات القليلة الماضية، من التعاون في مجال الفضاء إلى زيادة الانخراط الاقتصادي، إذ أصبحت الإمارات أهم شريك للهند التي تُعد أحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم بالمنطقة. ومما يعكس مستوى الارتياح الذي يشعر به تجاه القيادة الإماراتية، وصف ناريندرا مودي زياراته للإمارات بأنها تشبه العودة إلى بيته.
الإمارات العربية المتحدة أصبحت الآن ثالث أكبر شريك تجاري للهند. وفي الوقت نفسه، تمثّل ثاني أكبر وجهة تصدير للهند، ورابع أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما بلغ حجم التجارة السنوية بين البلدين 85 مليار دولار، وفقاً لوزارة التجارة الهندية. وكان البلدان أبرما في 2022 «اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة» التي حفزت التعاون الاقتصادي بين الجانبين. فمنذ دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، سُجلت زيادة بنسبة 16 في المئة في التجارة بين البلدين، إذ وصل حجم التجارة بين البلدين إلى 85 مليار دولار. وخلال الزيارة الأخيرة، تم التوقيع على 10 اتفاقيات، فضلاً عن «اتفاقية الاستثمار الثنائية». وتشمل مجالات التعاون المحتملة استثمار الإمارات في قطاعات الطاقة المتجددة، والصحة، وأشباه الموصلات، وتسييل الأصول في الهند، وهو ما من شأنه أن يعزز التعاون الاقتصادي بين الجانبين.
توقيع الاتفاقيات المشار إليها أعلاه يُظهر أن البلدان تسعى إلى إخراج المشروع إلى حيز الوجود، كما وقّع الجانبان اتفاقية للتعاون في مشاريع البنية التحتية الرقمية في مجال الربط الكهربائي والتجارة والتعاون مع «مجمع التراث البحري الوطني» في ولاية غوجارات الهندية. وعلاوة على ذلك، اتفق الجانبان على الربط بين منصة الدفع الفوري الهندية «UPI» الهندية ومنصة الدفع الفوري الإماراتية «AANI». وبالنظر إلى وجود جالية هندية يبلغ تعدادها حوالي 3.5 مليون نسمة في الإمارات وحدها، فلا شك في أن علاقات الهند مع الإمارات ازدادت قوة، ولم تعد تقتصر على إمدادات النفط الحيوية المهمة لتغذية الاقتصاد الهندي المتنامي. ومما يصب في مصلحة الهند أن الجانبين يربطهما اتفاق بين «بنك الاحتياطي الهندي» (البنك المركزي الهندي) ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي لدعم التجارة عبر الحدود باستخدام الروبية والدرهم، وهو ما من شأنه أن يخدم الجهود الرامية إلى تدويل الروبية، وتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي.
وبعد ذلك، قام رئيس الوزراء الهندي بزيارة إلى قطر دامت يوماً واحداً من أجل الالتقاء بصاحب السمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني. وكانت تلك الزيارة الثانية التي يقوم بها مودي إلى الدوحة، حيث تقيم جالية هندية يبلغ تعدادها 840 ألف شخص.
وخلال هذا اللقاء، تباحث زعيما البلدين في أحدث التطورات في منطقة غرب آسيا، مشددين على «أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها». كما اتفقت قطر والهند على توريد الغاز الطبيعي المسال إلى الهند، وهو ما سيمدّد الاتفاقية الحالية حتى عام 2048. وتُعد الاتفاقية التي تبلغ قيمتها نحو 78 مليار دولار واحدةً من أهم الاتفاقيات في علاقات الطاقة بين الهند وقطر.
ولئن كانت بلدان الخليج العربي مهمةً لأمن الطاقة الهندي، فإن الهند أيضاً، باعتبارها أسرع اقتصاد نمواً في العالم، تُعد سوقاً كبيرة وذات أهمية متزايدة بالنسبة للبلدان الأخرى. ولهذا، فإن التعاون الوثيق مهم جداً بالنسبة لكل من الهند وبلدان الخليج العربي، بما يسهم في رخاء المنطقة واستقرارها.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي