أزمة الديمقراطية الغربية وعواقبها
ليست مفاجئةً الأزمة التي اندلعت بين الإدارة الفيدرالية الأميركية في واشنطن وولاية تكساس. سبقتها مقدماتُ أهمها تصاعد الخلاف بين الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» بشأن كيفية التعامل مع الهجرة المتزايدة عبر الحدود مع المكسيك. وتكساس هي المَعبَر الذي يسلكُه القادمون من المكسيك إلى الولايات المتحدة.
وهي في الوقت نفسه إحدى أكثر الولايات الأميركية دعماً للحزب الجمهوري، الذي يرفض هذه الهجرة ويصر على منعها. والإدارةُ المُنتخبة فيها «جمهورية»، ولديها صلاحياتٌ كبيرة مثل غيرها من إدارات الولايات وفق النظام الفيدرالي الأميركي. فشل الحزبان، وممثلو كل منهما في الكونجرس، في التوصل إلى حلٍٍ يُرضي كلاً منهما وفق القواعد التي يُفترض أن الديمقراطية الغربية تقومُ عليها.
فبدلاً من الحوار الموضوعي الذي يُعد أحد أهم أسس هذه الديمقراطية، تعصب كلٌّ من الطرفين لموقفه، فتحول الخلاف إلى صراع عندما رفض «الديمقراطيون» صيغةً لحله في أول نوفمبر الماضي. رد «الجمهوريون» بربط موافقتهم على تمرير مشروع قانون المساعدات لأوكرانيا بتفاهمٍ على توفير تمويل فيدرالي لمواجهة الهجرة عبر الحدود مع المكسيك.
وكان نوابُ ولاية تكساس في الكونجرس، وممثلاها في مجلس الشيوخ، في مقدمة مَن أصروا على هذا الربط. وقبل أيامٍ بدأ الديمقراطيون في التحرك سعياً لإقرار مشروعٍ مُنَّقح اعتماداً على أغلبيتهم في مجلس الشيوخ، لكن تمريره ليس مضموناً في مجلس النواب حيث الأغلبية للجمهوريين، بعد أن دعاهم المُرشح والرئيس السابق ترامب لرفضه. ومع انسداد قنوات الحوار على هذا النحو وافقت المحكمة العليا على طلب البيت الأبيض السماح لقوات حرس الحدود الفيدرالي الموجود في تكساس بإزالة الأسلاك الشائكة التي وضعها حرس الحدود التابع للولاية لمنع تدفق المهاجرين من المكسيك.
وعندئذ تصاعدت الأزمة، ورفضت الإدارة في تكساس إزالة هذه الأسلاك، وأرسلت إداراتُ عشر ولايات جمهورية الحرسَ الوطني التابع لكلٍ منها لمساندة ولاية تكساس ضد الحرس التابع للإدارة الفيدرالية. ودعمت بقيةُ الولايات الجمهورية إدارة ولاية تكساس في موقفها، على نحوٍ عمَّق الانقسام السياسي الاجتماعي الذي طالما قيل إن الديمقراطية الغربية هي الأفضل لتجنب حدوثه، لكن ها هي، وليس غيرها، تفشلُ في اختبارٍ جديد. فلا علاقةَ للفشل في إدارة الخلاف على قضية الهجرة، وغيرها من القضايا المُختلف عليها في أميركا، بالنظام الفيدرالي.
يعملُ هذا النظام بكفاءةٍ في عددٍ كبيرٍ من الدول أكثرها لا يأخذُ بالديمقراطية الغربية التي يثبتُ يوماً بعد آخر إخفاقها في حل خلافات تسهل تسويتها، وتجنب أزمات ليس صعبًا تفاديها. لكن فشلها قد يكونُ أكبر وأخطر هذه المرة ما لم يُمكن التوصل إلى اتفاقٍ بين الحزبين الأميركيين في الأيام المُقبلة.
فعواقبُ هذا الفشل، إن استمر وتصاعد أكثر، قد لا تقتصر على النظام السياسي، وربما تمتد إلى تماسك الدولة الأميركية أيضاً. ولهذا صارت الأفضلية المُدَّعاة للديمقراطية الغربية في حاجةٍ إلى مراجعة موضوعية جادة للتمييز بين الحقيقي والزائف فيها.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية