استمراراً لجهود دولة الإمارات لتعزيز نموها الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص من المساهمة في ترسيخ عملية التنمية الاقتصادية، أعلنت وزارة المالية في 18 يناير 2024 صدور قانون اتحادي رقم (12) لسنة 2023 بشأن تنظيم الشراكة بين القطاعين العام الاتحادي والخاص.
يهدف هذا القانون إلى تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في المشاريع التنموية والمشاريع ذات القيمة المضافة، اقتصادياً واجتماعياً لدى القطاع العام، وتعزيز كفاءة وفعالية المشروعات الحكومية، والاستفادة من إمكانات القطاع الخاص وخبراته المالية والتكنولوجية والتنظيمية والفنية والإدارية، ما يعزز المردود الاقتصادي للخدمات العامة.
كما يهدف القانون إلى نقل المعرفة والخبرة من القطاع الخاص إلى الجهات الاتحادية، وتدريب وتأهيل موظفي الجهات الاتحادية على إدارة وتشغيل المشاريع، وتقليل أعباء المخاطر المالية والتشغيلية عن الحكومة التي قد تترتب على تنفيذ المشاريع، وتحفيز القدرة التنافسية للمشاريع في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية.
ولغايات المرونة واستمرار تنفيذ الأعمال، وعدم انقطاع أية خدمات حكومية، فقد تضمن القانون نصاً باستمرار العمل بقرار مجلس الوزراء رقم (1/1) لسنة 2017 بشأن دليل أحكام وإجراءات عقود الشراكة بين الجهات الاتحادية والقطاع الخاص وقرار مجلس الوزراء رقم (4/8) لسنة 2019 بشأن الدليل الإرشادي لأحكام وإجراءات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الدولة، لحين صدور دليل مشاريع الشراكة المنصوص عليه في القانون.
وفي الواقع، فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعد من القضايا الحاضرة بقوة على أجندة أعمال حكومات الدول المتقدمة والنامية في الوقت نفسه، وقد حققت بعض الدول تقدماً ملحوظاً في هذا السياق، بينما تتجه دول أخرى لتفعيل هذه الشراكة.
وتشير قاعدة بيانات البنك الدولي حول مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية إلى بلوغ استثمارات القطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية في 44 دولة نحو 36.4 مليار دولار، وبواقع 161 مشروعاً، خلال النصف الأول من عام 2023، وقد استحوذت كل من الصين والفلبين والبرازيل والهند ومصر على 70% من تلك الاستثمارات (25.5 مليار دولار). وتتنوع أنماط عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومن أبرزها عقود الخدمة وعقود الإدارة وعقود التأجير وعقود البناء والتشغيل والتحويل، وعقود التصميم والبناء والصيانة، وغيرها.
تأتي أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الإمارات ضمن الدور الحيوي الذي يلعبه القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، إذ وضعت الإمارات مستهدفاً بمضاعفة ناتجها الإجمالي إلى 3 تريليونات درهم بحلول العقد المقبل، وارتفعت نسبة التوطين في القطاع الخاص بنحو 157% بين عامي 2021 و2023، حيث بلغ عدد المواطنين العاملين به في نهاية عام 2023 قرابة 92 ألفاً، ويشارك القطاع الخاص حالياً مع القطاع العام في مجالات التعليم والبنية التحتية وإدارة النفايات، وغيرها من الخدمات العامة.
تتمتع الإمارات بمجموعة من المقوِّمات الداعمة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، من أبرزها: توافر سياسات اقتصادية وأطر مؤسسية وتنظيمية قوية، والقدرة على تقديم مجموعة متنوعة من المشروعات القابلة للتمويل، ووجود آليات واضحة لتحديد وتقييم المشروعات المطروحة للشراكة، فضلاً عن وجود قطاع مصرفي متطور لتمويل المشروعات، والإرادة السياسية، لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
الجدير بالذكر أن صدور هذا القانون لتنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص يتناغم مع «وثيقة المبادئ الاقتصادية لدولة الإمارات» التي أقرتها الحكومة في نوفمبر 2023، وقد أكدَّت مجموعة مبادئ تعزز هذا التوجُّه، ومنها بناء اقتصاد مستدام والمحافظة على الموارد للأجيال القادمة، واستقرار أنظمة الدولة المالية، والتطوير المستمر للتشريعات الاقتصادية، والشفافية والمصداقية وسيادة القانون، وأفضل نظام مصرفي لتعزيز النمو الاقتصادي، وأفضل بنية تحتية لوجستية في العالم، ما يعزز رفاهية المجتمع والتنمية المستدامة.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية