أعرب أعضاء الكونجرس الأسبوع الماضي عن قلقهم المتزايد من أن التأخير في برنامج «أرتميس» التابع لوكالة «ناسا» وتكلفته الباهظة، يمكن أن يهدد هدف الولايات المتحدة المتمثل في إعادة رواد الفضاء إلى القمر قبل وصول الصين، القوة الفضائية العظمى الصاعدة، إلى هناك.
في الأسبوع الماضي، أعلن مدير وكالة ناسا «بيل نيلسون» أن أول محاولة لوكالة الفضاء لإرسال رواد فضاء حول القمر منذ أكثر من 50 عاما سيتم تأجيلها من وقت لاحق من هذا العام إلى سبتمبر 2025. وأضاف أنه سيتم أيضاً تأجيل أول هبوط على سطح القمر منذ عصر «أبولو» حتى سبتمبر 2026.
تأتي التأجيلات في وقت تدرس فيه وكالة الفضاء لماذا أظهر الدرع الحراري لمركبتها الفضائية «أوريون»، وهي المركبة التي ستحمل رواد فضاء «أرتميس» إلى القمر، تفحماً أكبر مما كان متوقعاً خلال رحلة تجريبية غير مأهولة في أواخر عام 2022. وقالت «ناسا» أيضاً إن التأخير في تطوير المركبة الفضائية التي ستنقل رواد الفضاء من وإلى سطح القمر، وكذلك في تطوير بدلات رواد الفضاء التي سيرتدونها أثناء وجودهم هناك، يؤثر على الجدول الزمني.
وبالإضافة إلى تلك التأخيرات، قال المفتش العام لـ«ناسا» في تقرير صدر الأربعاء الماضي، إن التكلفة الإجمالية للبرنامج، بين عامي 2012 و2025، قد تصل إلى 93 مليار دولار.
وقال «جورج سكوت»، القائم بأعمال المفتش العام لوكالة «ناسا»، للمشرعين خلال جلسة استماع للجنة العلوم والفضاء والتكنولوجيا بمجلس النواب: «تواجه ناسا تحديات إضافية لتحقيق أهداف أرتميس» وأضاف: «من الأهمية بمكان حل المشكلات الفنية التي يمكن أن تهدد سلامة رواد الفضاء. وستحتاج الوكالة إلى القيام بذلك مع معالجة المخاوف القائمة منذ فترة طويلة مثل التكاليف غير المستدامة، والجداول الزمنية غير الموثوقة للمشاريع، وانعدام الشفافية في احتياجات التمويل».
وقال النائب «فرانك لوكاس»، رئيس اللجنة، خلال جلسة الاستماع، إن هذه التحديات مجتمعة يمكن أن تسمح للصين، التي تهدف أيضاً إلى الوصول إلى سطح القمر، بإرسال رواد فضاء هناك قبل أن تتمكن «ناسا» من العودة.
وأضاف: «أود أن أذكّر زملائي بأننا لسنا الدولة الوحيدة المهتمة بإرسال البشر إلى القمر. فالحزب الشيوعي الصيني يعمل بنشاط على استقطاب شركاء دوليين للقيام بمهمة إلى القمر، وإنشاء محطة أبحاث قمرية، وقد أعلن عن طموحه في إرسال رواد فضاء بشريين إلى السطح بحلول عام 2030. وستكون الدولة التي تهبط أولاً قادرة على أن تشكل سابقة فيما إذا كانت الأنشطة القمرية المستقبلية تتم بكل صراحة وشفافية أو بطريقة أكثر تقييدا».
وقال «مايك جريفين»، المدير السابق لوكالة «ناسا»، إن الولايات المتحدة لم تظهر إحساساً بالإلحاح الذي من شأنه أن يبقيها متقدمة على الصين. وأضاف: «إن خصومنا المعلنين، الحزب الشيوعي الصيني، إلى جانب شريكهم الروسي، يدركون تماماً الدور الذي يلعبه التواجد على حدود الفضاء في عالم سياسات القوة العالمية. يبدو أننا لم نعد نفهم ذلك. إن عدم وصول الولايات المتحدة وشركائها إلى القمر قبل الآخرين هو أمر غير مقبول».
أكملت وكالة ناسا الرحلة الأولى لكبسولة طاقم أوريون الخاصة بها في أواخر عام 2022، عندما طارت حول القمر دون أن يكون على متنها أي شخص في مهمة تُعرف باسم «أرتميس 1». ولكن منذ ذلك الحين، كانت «ناسا» تدرس بعض التآكل غير المتوقع للدرع الحراري أثناء عودة الكبسولة عبر الغلاف الجوي بسرعة حوالي 25000 ميل في الساعة ووصلت إلى درجات حرارة تقارب 5000 درجة فهرنهايت.
وفي الأسبوع الماضي، قال مسؤولو «ناسا» إنهم يعملون أيضاً على فهم مشكلة الدوائر الموجودة في نظام دعم الحياة في الكبسولة، بالإضافة إلى نظام إيقاف العمل في حالات الطوارئ، والذي من شأنه أن يدفع الكبسولة بعيداً عن الصاروخ في حالة الطوارئ.
يجب إصلاح هذه المشكلات قبل أن تنطلق «ناسا» في مهمة «أرتميس 2»، حيث ترسل رواد فضاء ناسا «كريستينا كوخ» و«فيكتور جلوفر» و«ريد وايزمان»، بالإضافة إلى رائد الفضاء الكندي «جيريمي هانسن»، في رحلة مدتها 10 أيام حول القمر.
وقال «جيم فري»، المدير المساعد لناسا، خلال مؤتمر صحفي حول إعلان التأجيل الأسبوع الماضي: «أريد التأكيد على أن السلامة هي أولويتنا الأولى». وأضاف: «بينما نستعد لإرسال أصدقائنا وزملائنا في هذه المهمة، نحن ملتزمون بأن يكون الإطلاق آمناً بقدر الإمكان. وسننطلق عندما نكون جاهزين».
وقال نيلسون في المؤتمر الصحفي إنه حتى مع التأخير، يجب أن تكون «ناسا» في وضع يمكنها من إنزال روادها على القمر في مهمة أرتميس 3 قبل الصين.
وأضاف: «ليس لدي أي قلق من أن الصين ستهبط قبلنا. أعتقد أن الصين لديها خطة عدوانية للغاية. أعتقد أنهم يرغبون في الهبوط قبلنا لأن ذلك قد يمنحهم بعض النجاح في العلاقات العامة. لكن الحقيقة هي أنني لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك».
بعد إرسال مركبة فضائية إلى مدار حول القمر في عام 2007 ومرة أخرى في عام 2010، هبطت الصين بالمركبة الفضائية «تشانج آه-3» في عام 2013، لتصبح أول دولة تهبط بهدوء على سطح القمر منذ التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قبل خمسة عقود. وفي أوائل عام 2019، أصبحت الصين أول دولة تهبط بمركبة فضائية على الجانب البعيد من القمر. وفي عام 2020 جلبت إلى الأرض عينات من سطح القمر.
وفي وقت لاحق من هذا العام، تخطط الصين لهبوط مركبة على الجانب البعيد مرة أخرى، وهذه المرة في محاولة لجلب عينات إلى الأرض، فيما سيكون استعراضاً آخر مثيراً للإعجاب لبراعتها وطموحها المتزايد. وفي نهاية المطاف، قالت الصين إنها تخطط لإنشاء قاعدة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، حيث يوجد ماء على شكل جليد في الحفر المظللة بشكل دائم. والقطب الجنوبي هو أيضاً المكان الذي تنوي «ناسا» الذهاب إليه كجزء من برنامج أرتميس.
يعد السباق مع الصين أحد الأسباب الرئيسية وراء احتضان إدارة بايدن لبرنامج «أرتميس»، الذي نشأ في عهد إدارة ترامب. في البداية، وجهت إدارة ترامب وكالة ناسا لهبوط رواد فضاء على القمر بحلول عام 2024، وهو الجدول الزمني الذي قام البيت الأبيض في عهد بايدن بتأجيله إلى عام 2025 بعد تقييم البرنامج.
وعلى الرغم من التأخير، فلا يزال برنامج «أرتميس» يحظى بدعم الحزبين في الكونجرس، الذي يتوق لرؤية أول امرأة وأول شخص ملون يسيران على سطح القمر، كما وعدت وكالة ناسا. لكن وجود الصين يخيم على البرنامج.
وقالت النائبة «زوي لوفجرين» (ديمقراطية من كاليفورنيا) خلال جلسة الأسبوع الماضي: «أنا أؤيد برنامج أرتميس، لكني أريده أن يحقق نجاحاً، خاصة أن الصين تقف في أعقابنا».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»