قمة «دافوس» والتحديات العالمية
انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام وسط تحديات جيواستراتيجية هي الأخطر التي تواجه الأمن والاستقرار العالميين منذ عقود، حيث تتواصل الحرب في أوكرانيا، واندلع صراع عسكري مفاجئ في قطاع غزة الفلسطيني بين إسرائيل وحركة «حماس»، وهو صراع ينذر باتساع رقعة التوترات والمواجهات العسكرية إقليميًّا، لاسيما في ظل التهديدات التي تواجه حركة التجارة عبر باب المندب والبحر الأحمر، بسبب الضربات التي توجهها ميليشيات الحوثي اليمنية للسفن والقطع البحرية بدعوى الدفاع عن الشعب الفلسطيني.
أحد عوامل الخطورة البالغة في البيئة الاستراتيجية الدولية الراهنة أن هناك انقسامات حادة بين القوى الدولية الكبرى، بعض تداعياتها السلبية المؤثرة تكمن في تداعي قدرة المنظمات الدولية المنوط بها الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين على نزع فتيل التوترات والتوصل إلى تفاهمات بشأن تسوية الأزمات الراهنة، وهو ما يجعل من الصعب وجود أفق إيجابي لخروج النظام العالمي من حالة الفوضى التي يعانيها حاليًّا.
في خضمّ هذه الأجواء، جاءت نقاشات «دافوس» مرآة لما يحدث عالميًّا، حيث التقى قادة العالم ورجال الأعمال والمجتمع المدني لتبادل الأفكار وبناء الوعي بالتحديات العالمية، والبحث عن سُبل مواجهة التحديات، وفي الاجتماع السنوي الـ54، سيطرت الأزمات الجيوسياسية بجانب الأزمات الاقتصادية والتغير المناخي والذكاء الاصطناعي.
وقد خيّم الوضع في منطقة الشرق الأوسط، على نقاشات دافوس، بسبب تفاقم المعاناة الإنسانية المترتبة على الحرب في غزة، وكان القلق العالمي واضحًا من استمرار الحرب، وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي، ومن هنا كانت الدعوات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للمساعدة الإنسانية، وإيجاد حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لتحقيق السلام في المنطقة. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، خاصة أمن الغذاء والطاقة واضطراب سلاسل التوريد، يخشى العالم من أن يتواصل تأثير الحرب على نمو الاقتصاد العالمي، لذا برزت مطالبات في منتدى دافوس بضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا، ودعم الجهود الدبلوماسية والتسوية السلمية.
ولأن الاقتصاد هو ضحية الحروب والصراعات، فقد طغت كذلك المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وأزمة تكاليف المعيشة وسط ارتفاع أسعار الفائدة في العالم، والتخوف من تفاقم الفقر والركود العالمي، واحتمال أن تؤدي التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في العالم إلى عرقلة عملية تعافي الاقتصاد العالمي، إضافة إلى تباطؤ نمو الصين، والتوقعات الاقتصادية السلبية في البلدان النامية، خصوصًا في أفريقيا وآسيا.
ولم تكن نقاشات القمة بعيدة عن التغير المناخي، وضرورة اتخاذ العالم إجراءات عاجلة لمعالجة أزمة المناخ، والبناء على ما تحقق من نتائج إيجابية كبيرة في «كوب28»، ومع بزوغ طفرة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كان هذا المجال محورًا رئيسيًّا في القمة، خصوصًا المخاطر الأخلاقية والاجتماعية نتيجة المعلومات الخاطئة والمضللة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، فهناك خشية من الاضطرابات نتيجة المعلومات المزيفة المولدة بهذه التقنيات، والآمال كبيرة في إيجاد صيغة لحوكمة هذا القطاع المتطور. وإيمانًا بقيمة الحوار وتبادل المعرفة والخبرات الدولية، جاءت مشاركة مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» الفاعلة هذا العام في الفعاليات المصاحبة لمنتدى دافوس، حيث طرح المركز رؤى علمية مع قادة الفكر والعديد من المسؤولين والخبراء المشاركين، وقدم إسهامات نوعية من أوراقه البحثية بشأن كيفية التعاطي مع التحديات العالمية الراهنة والأزمات الدولية. وتُجسِّد هذه المشاركة رسالة المركز وأهدافه البحثية القائمة على الإسهام بقوة في الحوارات الفكرية والعلمية البناءة، حيث أكد المركز خلال مشاركته على أهمية تحقيق السلام في الشرق الأوسط ومناطق العالم المختلفة، مؤكدًا دور السلام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والنمو الاقتصادي، مذكرًّا العالم بالخسائر الفادحة للصراعات والحروب، وبأهمية تعزيز روح التسامح والعمل المشترك من أجل الرخاء الاقتصادي.
والمشاركة في الحوار العالمي سواء عبر «دافوس» أو غيره من منصات الحوار والتشارك الدولي، تسهم في بناء قنوات اتصال لتعزيز التعاون الدولي بما يسهم في تجاوز الأزمات التي تواجه المنطقة والعالم.
*الرئيس التنفيذي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات