يمر الإنسان، وتعدو به الحياة كجواد جموح، بمراحل متعددة ومختلفة في حياتهِ، بدءاً من الطفولة، ومرحلة المراهقة والبلوغ حتى مرحلة العمل والتقاعد.
فالتقاعد عن العمل يمثل مرحلة مهمة وفارقة في حياة الإنسان من النواحي المادية والفعالية الاجتماعية والقدرة الصحية والنفسية، حيث يشير تعريف التقاعد إلى مرحلة يكون الشخص قد اختار، أو ترك حياته العملية وراءهُ بشكل دائم، فيتقاعد بعضهم عندما يصلون إلى سن وخدمة معينة، ويكونون مؤهلين للحصول على معاشات تقاعدية، وفي أحيان عديدة يأتي التقاعد بشكل غير مخطط له بالنسبة للأشخاص الذين يصابون بالمرض، أو يتعرضون لحوادث غير متوقعة، كما أن نسبة عالية من المتقاعدين يندرجون تحت فئة كبار السن «كبار المواطنين».
أصبحت مسألة المتقاعدين عن العمل لا ترتبط بالتأمين الاجتماعي للمعاشات وحسب، بل تجاوزت ذلك بحثاً عن المؤثرات والعوامل التي تزيد من مستوى الرضا عن الحياة والسعادة لدى المتقاعدين والمسنين. ففي هذا الصدد، سعت دراسة من إعداد أ.د. مسعود بدري وآخرون إلى الكشف عن أهم العوامل المؤثرة على الرضا عن الحياة والعوامل الرافعة لمستوى السعادة لدى المتقاعدين. فالدراسة شملت استطلاع 1036 متقاعداً، ومعتمدةً على بيانات جودة الحياة (QoL) في أبوظبي إلى جانب الدراسات والبحوث الدولية المرتبطة بالتقاعد والسعادة، وقد أكدت أن مرحلة التقاعد تعتبر مؤثرةً على الرضا عن الحياة والسعادة، وذلك يعود إلى حقيقة كون الإنسان عندما يدخل مرحلة التقاعد يبتعد عن الكثير، أو تنخفض قوة نشاطهِ في مجالات الحياة العملية والاجتماعية، ويكون عرضة للكآبة والحزن. وفي التقاعد الطوعي مقابل حالة التقاعد القسري، نجد مثالاً صارخاً في كوريا الجنوبية، حيث يمكن أن يكون التقاعد مؤلماً للغاية، كحالة التقاعد في سن مبكرة، وعدم الاستعداد لمرحلة ما بعد التقاعد، وفقدان الدور الاجتماعي وانخفاض الدخل، الأمر الذي بدوره يطرح أهمية وجود ثقافة تقاعدية، والبحث عن أفضل التطبيقات والسياسات المعززة للتفاعلات الاجتماعية، كالأندية، والرحلات ودعم الهوايات، والتواصل مع مختلف الأجيال.
وتعرض الدراسة اثني عشر مؤثراً، من الرضا عن الحياة وثقافة التقاعد، وأهمية العلاقات الاجتماعية، إلى عامل الخدمات المقدمة للفئات الضعيفة بشقيها النوعي والكمي، ومدى تأثير الدخل المالي، وصولاً إلى الثقة في المؤسسات العامة، ومدى توفر الصحة العقلية والتقييم الشخصي والرضا عن البيئة المحيطة، والشعور بالأمن، وأهمية الاستثمار الاجتماعي في السياسات العامة، وغيرها كأهمية دور المسكن.
ختاماً، نتائج الدراسة تعطي صانعي السياسات رأياً مستنيراً حول المتقاعدين في أبوظبي بهدف تعزيز نسبة المتقاعدين والمسنين السعداء، فمن منطلق حقيقة أن السياسات العامة تمس جميع الجوانب الاجتماعية والقانونية والاقتصادية، فإن المستحسن إعطاء الأولوية للسياسات والإجراءات التي تتعامل مع المتنبئات الرئيسة للسعادة.
*كاتب ومحلل سياسي