يؤكد قرار إحالة 84 متهماً أغلبهم من جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية، إلى محكمة أمن الدولة لمحاكمتهم عن جريمة إنشاء تنظيم سري آخر يسعى لتنفيذ أعمال إرهابية داخل الدولة، على إصرار دولة الإمارات على مواجهة تلك الجماعة، التي يشكل استمرار وجودها خطراً على المجتمعات والدول، في ظل استمرارها في الترويج لفكرها الهدام الساعي إلى نشر الفوضى وضرب استقرار الأوطان، انتظاراً لفرصة جديدة تسطو بها على السلطة. فقد أثبتت الجماعة منذ نشأتها في عشرينيات القرن الماضي على يد مؤسسها حسن البنا، أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا بالحدود التي تفصل بين الدول، وأنها تسعى إلى هدم هذه الحدود بحثاً عمّا تسميه «دولة الخلافة»، وترى أن وسيلتها في ذلك هي الوصول إلى السلطة من أجل التمكين وتحقيق أستاذية العالم وإقامة دولة الخلافة. وحجتها في ذلك - بحسب قناعاتها الفكرية ومعتقداتها الدينية - أنها فوق الدولة وبديل عن المجتمع. ولتحقيق ذلك ربَّت الجماعة أفرادها والمنتمين إليها على مفاهيم وأفكار تقودهم في النهاية إلى الانفصال الوجداني عن مجتمعاتهم، وتغرس فيهم نزعة الاستعلاء بدعوى أنهم «الفئة الناجية وغيرهم هالكون»، ومن ثم فهم متمايزون عن المجتمع ويختلفون عنه في كل جوانب الحياة، ولهذا ينبغي أن يكون لهم تنظيمهم السياسي ونظامهم الاجتماعي ومؤسساتهم الاقتصادية ومنتدياتهم وفعالياتهم الثقافية وفكرهم الديني الخاص! أي أنها في المحصلة تؤسس لمجتمع موازٍ ولدولة بديلة، بعد أن أصبحت تعبر - فكرة وممارسة - عن فرقة دينية مغايرة تعتنق نسخة جديدة من الدين هي عملياً «دين الإخوان» وليست «دين الإسلام»!
وقد أتاحت تطورات ومعطيات عديدة حدثت خلال العقدين الماضيين، اختبرت فيها الجماعة بشكل عملي، الفرصةَ للحكم عليها، ليس استناداً إلى أفكار قياداتها، وإنما انطلاقاً من سلوكياتها على أرض الواقع، حيث كشفت تجارب «الإخوان» في العديد من دول الإقليم كالعراق وسوريا ومصر وفلسطين وتونس وليبيا، جملة من الحقائق والاستنتاجات منذ مشاركتهم مع «بول بريمر» في تجربة «مجلس الحكم الانتقالي» بالعراق عام 2004 وحتى انتهاء تجربة حكم «النهضة» في تونس عام 2021. وأبرز تلك الحقائق أن الجماعة تختزن منسوباً عُنفياً مثيراً للقلق، وأنها في سبيل الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، مستعدة لإراقة الدماء والاستقواء بالأجنبي وإحداث الفوضى والتخريب، كما حدث في الكثير من التجارب مثل سوريا وليبيا واليمن. يضاف إلى ذلك أن الجماعة خلال فترة صعودها السياسي في الإقليم بعد عام 2011، تعاملت مع مؤسسة الدولة داخل أوطانها كـ«غنيمة للجماعة بعد أن أتم الله عليهم بالنصر والتمكين»! والمثير أن تلك التجارب ذاتها أثبتت أن الجماعة كيان فارغ من أي مضمون حقيقي نافع لأمتها العربية والإسلامية، مليء بالانتهازيين والفاسدين الذين تحولوا في الكثير من تلك التجارب إلى أدوات للتوظيف من قبل قوى دولية أجنبية أو أخرى إقليمية معادية لأوطانهم. ومن هنا تكمن خطورة مثل هذه الجماعة الإرهابية وخطأ ومخاطر التسامح معها أو السماح لها بالتمدد وبث سمومها داخل المجتمع.
*باحث- مدير إدارة الباروميتر العالمي
مركز تريندز للبحوث والاستشارات