انطلقت الثورة الصناعية الأولى من المملكة المتحدة في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي؛ وجعلت عوامل عدَّة هذه الجزيرة المعزولة عن أوروبا منشأً لهذه الثورة بدل غيرها من الدول؛ وكان من أهم هذه العوامل جهاز بسيط يستطيع تحويل الطاقة الكامنة في المواد الأحفورية كالفحم إلى طاقة ميكانيكية أو حركية. وهذا الجهاز يُدعى «المحرك البخاري»، وحقق تصنيعه وتطويره نقلة نوعية في تاريخ البشرية.
ولا شكَّ في أن المحرك البخاري كان له أثر كبير في قطاعات عدَّة من أكثرها أهميةً قطاع النقل والمواصلات؛ إذ أتاح هذا الاختراع تصنيع السفن البخارية التي كانت قادرة على الإبحار مسافات أطول نسبيًّا من سابقاتها. وكما هو معلوم استثمرت بريطانيا العظمى هذه التكنولوجيا بشكل كبير؛ فاستطاعت الوصول تقريبًا إلى كل أصقاع الأرض، وصناعة التاريخ.
وقد لفت هذا الجهاز انتباه كثيرين في مختلف دول العالم إلى أهمية الأجهزة التي يمكنها تحويل الطاقة من نوع إلى آخر، وزادت الجهود والبحوث في هذا المجال إلى أن أثمرت تطوير أول «محرك احتراق داخلي» عملي في نهاية القرن التاسع عشر؛ وكان من بين المشاركين في هذه الجهود «كارل بنز»، أحد مؤسسي ما صار يُعرف حاليًّا بشركة «مرسيدس-بنز».
ولاحقًا انتشرت المركبات في الشوارع على الصعيد العالمي، ثم الطائرات والسفن التي تعمل بمحرك احتراق داخلي؛ ما أدى إلى انتشار مفهوم العولمة والقرية الصغيرة؛ ولكنَّ عالمًا يُدعى سفانت أرهينيوس تساءل، في نهاية القرن التاسع عشر، عن أثر كل هذه الغازات الصادرة عن هذا الجهاز عند استخدامه، وتوصَّل إلى استنتاج مهم هو أن لهذه الغازات -وتحديدًا ثاني أكسيد الكربون- أثرًا سلبيًّا في البيئة، ولا سيَّما أنها تؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة عالميًّا.
وإلى هذا اليوم نعتمد بشكل أساسي على هذا الأسلوب في التنقل برغم معرفتنا لهذه الآثار السلبية. وبحسب بعض التقديرات لعام 2021؛ فإن نحو 16 في المئة من الانبعاثات الضارة بالبيئة عالميًّا مصدرها قطاع المواصلات الذي يعتمد على وسائل نقل تعمل بمحركات احتراق داخلي، و11 في المئة منها ذات صلة بالنقل الأرضي.
ولتقليص هذه الانبعاثات، وزيادة الوعي للخطر المصيري المهدد للبشرية، والمتمثل في ظاهرة الاحتباس الحراري، تضع الجهات المسؤولة عالميًّا، والشركات الكبرى المصنّعة للمركبات، خططًا للتحول إلى مركبات كهربائية تستخدم محركات كهربائية قادرة على تحويل الطاقة من كيميائية في البطاريات إلى ميكانيكية تُغذي العجلات من دون أي انبعاثات. وعلى سبيل المثال تخطط الحكومة البريطانية لحظر أي مركبة تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي بحلول عام 2035؛ كما تخطط حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لزيادة انتشار المركبات الكهربائية في الشوارع بشكل متدرج ومدروس تماشيًا مع المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، التي أطلقتها الدولة في أكتوبر 2021.
مَن يدري؟ لعل الوقت الذي نقول فيه «وداعًا» للمركبات، التي تعتمد على محركات الاحتراق الداخلي، قريب جدًّا، وقد نفتقدها في القريب العاجل مثلما نفتقد أحيانًا كاسيتات «في إتش إس» (VHS).
*أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا