توصل «كوب 28» إلى اتفاق نهائي، وصفه رئيس المؤتمر معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بأنه «حزمة تاريخية»، لافتاً إلى أن «الخطة متوازنة وتتصدى للانبعاثات وتسد الفجوات فيما يتعلق بمسألة التكيف مع أنظمة الطاقة». وقال: «منحنا العالم خطة للإبقاء على معدل 1.5 درجة مئوية في المتناول. وحققنا التغيير المحوري بعد الاستماع إلى وجهات نظر كافة الأطراف».
وتبرز أهمية توصيات وقرارات وتفاهمات «كوب 28»، في ضرورة تنفيذها، خصوصاً ما يتعلق منها بالتزامات الدول بتمويل صندوق التعويض عن الخسائر والأضرار الناتجة عن تغير المناخ. مع الاعتراف بصعوبة ذلك، في ظل تراكم التحديات التي يواجهها العالم من جوائح وصراعات وحروب، وما يواجه العديد من البلدان النامية من تراجع في آفاق النمو، وضعف الاستثمار، وتراكم الديون.. وكلها تؤدي إلى انتكاسة المكاسب الإنمائية التي تحققت، وتهدد ما أحرز من تقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ووفق تقرير «أونكتاد»، يقدر عجز اقتصادات الدول النامية الـ48 في العالم بنحو 337 مليار دولار سنوياً، هذا في حال اتخاذ الإجراءات المطلوبة بشأن تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي وزيادة التلوث. مع الإشارة إلى الحاجة الضرورية لمعالجة أزمة الديون، حيث يعيش نحو 3.3 مليار شخص في بلدان تنفق عل مدفوعات فوائد الديون أكثر مما تنفقه على الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والصحة.
لقد أثبتت التقارير والوقائع، أن استمرار «نهج» تمويل التنمية المتبع، من دون تغيير، لن يحقق الأهداف المعلنة، الأمر الذي يتطلب تطويراً عاجلاً وشاملاً، خصوصاً أن الموازنات العامة لمعظم الدول النامية منهكة ومحمّلة بأعباء ديون تضاعفت في السنوات الأخيرة، وبلغت أعلى مستوى لها منذ 50 عاماً، حتى أصبح 60% من البلدان الأكثر فقراً معرضة بشدة لخطر بلوغ مرحلة «المديونية الحرجة»، إن لم تكن قد بلغتها بالفعل. ويمتد هذا الخطر إلى العديد من البلدان متوسطة الدخل. وقد تفاقم هذا الاتجاه بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملات وتباطؤ معدل النمو العالمي، مما سيكلف هذه البلدان أكثر من 800 مليار دولار من الدخل الضائع خلال السنوات المقبلة. وقد لوحظ أن 29 بلداً من البلدان النامية تدفع إلى دائنيها الخارجيين أكثر مما تحصل عليه من القروض الجديدة.
وإذا كان النظام المالي القائم حالياً أٌنشئ قبل أزمة المناخ، فإنه بعد تطبيقه طوال أكثر من 80 عاماً لم يعد صالحاً لإقراض الدول من أجل المناخ والتنمية المستدامة، كما يرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وذلك لأنه «محدود الأفق، وعرضة للأزمات، ولا علاقة له بالوضع الاقتصادي اليوم، وحتى لو أرادت دول كثيرة الاستثمارَ في العمل المناخي، فإن العديد منها لا يستطيع تحمل تكاليفه الباهظة». لذا دعا غوتيريش إلى إصلاح هذا النظام بشكل يجعل تمويل المناخ والتنمية أقل تكلفة وأكثر ملاءمة.
ورغم أن البنك الدولي، أكبر ممول متعدد الأطراف للعمل المناخي، فقد بلغ إجمالي تمويله 29.4 مليار دولار، أي 40% من إجمالي التمويل. واضطر مؤخراً لاتخاذ إجراءات إصلاحية تشمل تعديلات في «نهج» التمويل يفترض أن تعزز قدرته على إقراض الدول الفقيرة والنامية، وأن تضيف نحو 50 مليار دولار للإقراض في السنوات العشر المقبلة. وفي هذا السياق خصصت مجموعة البنك 45% من تمويلها للمشروعات المتعلقة بالمناخ للسنة المالية 2024-2025، ما يعني توظيف أكثر 45 مليار دولار، بزيادة 9 مليارات مقارنة بما كان مخططاً له سابقاً.
أما صندوق النقد الدولي فهو أكثر تفاؤلاً، إذ ترى مديرته التنفيذية كريستالينا غورغييفا أن تحويل تريليونات الدولارات التي تدعم إنتاج الوقود الأحفوري، إضافة إلى وضع سعر ضمني على انبعاثات الكربون، من شأنه أن يولّد مبالغ هائلة لمعالجة أزمة المناخ.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية