أعتقد أن المناقشات والحوارات الدولية التي تمت في اجتماع «كوب 28» تمثل ذروةً للاهتمام الدولي بقضايا المناخ، وارتقاءً بمسؤولية الدول الصناعية الكبرى حول التغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الأرض جراء احتراق الوقود الأحفوري. كما أن هذا الاجتماع يقوم بعملية تقييم شاملة لما تم عمله ويستطلع مدى وكيفية التزام الدول باتفاقية باريس التي تم التوقيع عليها عام 2015، وهي أول اتفاق عالمي بشأن المناخ تلتزم فيه الدول المشاركة بتقديم خططها الوطنية للمساهمة في العمل على تخفيض ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى مستوى ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية الكبرى.
ولقد تصاعد الاهتمام الدولي بقضية المناخ منذ انعقاد قمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992. وفي مفاوضات خاصة بالمناخ في جنيف طرحت الدول التي هي جزر في البحار ودول صغيرة ساحلية ضرورةَ وضع خطط لمواجهة خطر ارتفاع منسوب مياه البحر، وتم تحميل الدول الصناعية الكبرى مسؤوليات ما يشهده العالم من تغيرت مناخية بسبب كونها تطلق ثمانين بالمائة من انبعاثات الغازات الدفيئة، وعليها أن تتحمل الخسائر والأضرار التي تسببها للدول النامية.
كانت دولة الإمارات سبّاقة في الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، معبرةً عن اهتمام أخلاقي أولاً بحماية كوكب الأرض وبالريادة في الموكب العالمي لمقاومة الأخطار المناخية المتوقعة، وللمشاركة في تحمل الخسائر والأضرار رغم محدودية مسؤوليتها بالقياس إلى الدول الصناعية الكبرى.
لقد أطلقت الإمارات منذ عام 2014 أول حوار سنوي حول الطاقة مع الولايات المتحدة لدعم المبادرات الجديدة وتأمين سوق الطاقة العالمي. وفي عام 2016 وضعت خطةَ التغيير المناخي وأطلقت مشاريع الطاقة النظيفة. وكانت الإمارات قد لفتت انتباه المشاركين الدوليين إلى استجابتها العملية لتفعيل صندوق الخسائر والأضرار حين تبرعت بمائة مليون دولار، مذكرةً الآخرين، وخاصة الدول الصناعية الكبرى، بضرورة الارتباط الوثيق بالعدالة المناخية ومواجهة المسؤولية من قبل الدول المسؤولة عن إنتاج التلوث حول العالم.
وكانت الريادة الثانية للإمارات حين أطلقتْ إعلاناً عن برنامج تخفيض الوقود الأحفوري لديها، رغم كونها دولة منتجة للنفط، لكنها بهذا الموقف تعبّر عن التزامها العميق والوثيق بقضية الإنسان وبصحته أولاً. وتسهم دولة الإمارات مع الدول المشاركة بتسريع السعي الدولي للانتهاء من الوقود الأحفوري حتى منتصف القرن الراهن، وسيكون ذلك إنجازاً تاريخياً على مستوى العمل المناخي العالمي.
ويبدو أن ما حققته الإمارات من مشاريع حيوية تتعلق بالطاقات البديلة والمتجددة، وبالاقتصاد الأخضر، سيجعلها الدولةَ النموذج التي ستحذو حذوها دول كثيرة تتلمس طريقها للانضمام العملي للمسيرة العالمية في معالجة قضايا المناخ.
وقد يتساءل البعض: هل يمكن للإنسان أن يقاوم الطبيعة وما فيها من عواصف وأنواء وأجواء وزوابع وفيضانات فضلاً عن البراكين والزلازل؟ ولعل الإجابة المتواضعة أمام ضخامة الطبيعة تقول: لا. لكن الإنسان يستطيع تخفيف الأضرار والخسائر، وتحسين الشروط المناخية العامة عبر تخفيض الانبعاثات من الأرض، ويستطيع إنهاء التلوث.. وأُضيفُ إلى هذه العوامل التي لا أعلم إن كانت قد تطرقت إليها المناقشات بجدية، أخطار الحروب على التغير المناخي، فما تصدره القاذفات والطائرات والقنابل ومختلف أنواع الأسلحة في العالم كله يسرّع تغير المناخ إلى ماهو أسوأ. وقد قرأتُ أن طائرة حربية واحدةً تصدر عبر مائة ميل من غاز ثاني أكسيد الكربون ما تطلقه سيارة على مدى عام كامل. وللقارئ أن يتخيل حجم ما تحمله الحروب من أضرار للطبيعة والبيئة والمناخ فضلاً عن البشر. إن تغيرات المناخ والاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض الذي يؤدي إلى الجفاف والشح في مياه الشرب والغذاء، يجعل البشرية أمام أخطار محدقة، وينبغي أن تتسابق الدول الكبرى في حماية الأرض والإنسان بدل التسابق في التسلح وفي الصراعات المدمرة.
ومع انتهاء أعمال كوب 28 في الإمارات، لابد من الإشادة بما أظهرته الدولة من براعة في التنظيم وكفاءة عالية في الإدارة، والتزام أخلاقي وريادي بمسؤولياتها العالمية، وهي الدولة التي حولت أجزاء كبرى من صحرائها إلى مساحات ومدن نظيفة خضراء جذبت إليها الباحثين عن بيئة آمنة للعيش الرغيد والاطمئنان.
*وزير الثقافة السوري السابق