في مؤتمر هو الأكبر من نوعه حتى الآن، وبمشاركة أكثر من 180 من القادة ورؤساء الدول والحكومات، وبنحو 70 ألفَ ضيف من 198 دولة، وبعدد قياسي من طلبات الحضور التي وصلت إلى نحو 500 ألف مشارك في المنطقتَين الزرقاء والخضراء للمؤتمر، وعددٍ هائل من ممثلي المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والأكاديميين والإعلاميين والقطاع الخاص والشعوب الأصلية والشباب، انطلقت مؤخرًا فعاليات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ «كوب28»، ليتجمع كلُّ هذا الحشد غيرِ المسبوق على أرض دولة الإمارات، لمناقشة واحد من أخطر وأهم التحديات التي تواجه مستقبل البشرية، وهو التغير المناخي المتسارع، وسُبل الحفاظ على الكوكب للأجيال المقبلة.

يكتسب هذا المؤتمر أهميته في ضوء اعتبارات عدة، أولها بالطبع، تفاقم التحدي المناخي بشكل متسارع، حيث ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بالفعل بمقدار 1.2 درجة مئوية منذ عصور ما قبل الصناعة، مما يتسبّب في جفاف واسع النطاق، إلى جانب موجات الحر القاتلة المتكررة وحرائق الغابات والعواصف في جميع أنحاء العالم، وثانيها، أنها المرة الأولى التي تشهد مؤتمرات الأطراف نقاشات حول حدود تماس البشرية مع المسار الصحيح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث سيناقش المؤتمر مستوى التقدّم الذي تم تحقيقه حتى الآن، والإجراءات المطلوبة لوضع العالم على المسار الصحيح للتعامل مع التغيرات المناخية المتسارعة، وصولًا إلى خطة مرتقَبة يُتوقع أن يتم بلورتها وحشد الجهود الدولية حولها في نهاية المؤتمر، والاعتبار الثالث، برأينا، هو انعقاد المؤتمر على أرض دولة الإمارات، التي تعدّ المكان الأنسب لبلورة توافق دولي حول تحدّي المناخ، بالنظر إلى قدرة الدبلوماسية الإماراتية على دعم المشترَكات من خلال علاقاتها القوية مع جميع دول العالم على حدٍّ سواء، فضلًا عن التزامها القوي المعلَن بدعم الجهود الدولية في الحدّ من الانبعاثات، فضلًا عن خبرتها العريقة في استضافة الأحداث الدولية الكبرى.

المطلوب ببساطة من كل دول العالم أن تحدّد أهدافها وسياساتها الوطنية لتحقيق الهدف الدولي المشترك الذي حدّده اتفاق باريس عام 2015، والذي اشترط إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري في حدود درجتين مئويتين، مقارنة بأزمنة ما قبل الصناعة، والسعي إلى وقف ارتفاع درجات الحرارة عالميّاً بمقدار 1.5 درجة مئوية فقط. لكن المعضلة التي تواجه العالم هنا، وتحشد لها دولة الإمارات الكثير من الجهود، تتمثل في أن العديد من الدول لم تبلور بعد خطط وسياسات كفؤة وفاعلة بما يكفي لتوجيه اقتصاداتها نحو تحقيق أهداف خفض الانبعاثات لعامَي 2025 و2030.  ولذا فإن دولة الإمارات تُسخّر كل طاقاتها وقدراتها التنظيمية والبشرية والاتصالية وعلاقاتها الدولية الجيدة بجميع دول العالم، وتسعى بقوة لأن تكون استضافتها للمؤتمر فعّالة على صعيد تحقيق الأهداف المناخية المرجوة، ولاسيّما ما يتعلق بإيجاد حلول وبدائل تساعد الدول المتضرّرة على الحد من مخاطر الانبعاثات الكربونية والوصول إلى الحياد الكربوني، وتسهم في تنشيط عملية التنمية المستدامة، وتُسرّع عملية التحول إلى الطاقة النظيفة، مثل: الطاقة الشمسية، ومشروع التقاط الكربون وتخزينه، واستخدام الهيدروجين، وتشرَع كذلك في اتخاذ خطوات تُثبِّت دعائم الاقتصاد الأخضر.

وفي ضوء ما سبق، نلاحظ أن تركيز دولة الإمارات ينصبّ على نجاح هذا المؤتمر في وضع خطط واقعية تتصدّى للتحدي المناخي، والانتقال من النقاشات ووضع الخطط إلى مرحلة التنفيذ والعلاج الفعلي لهذا التحدي العالمي الخطير.

وقد برزت قيمة جهود الإمارات وتأثيرها الإيجابي في كوب 28 منذ اليوم الأول للقمة، حيث أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، كما تم اعتماد صندوق «معالجة الخسائر والأضرار» لتمويل خطط الدول الأكثر تضرراً من أزمة المناخ. وكانت لفتةً مهمة للغاية أن يعتمد المؤتمر قراراً تاريخيّاً في اليوم الأول لانعقاده، ممّا يعكس كفاءة الترتيبات والتفاهمات التنظيمية الاستباقية التي أدارها الفريق الإماراتي بكفاءة مشهود لها عالميّاً.

الرئيس التنفيذي-مركز تريندز للبحوث والاستشارات