إنه أكثرُ من مجردِ وطن، وأعمقُ من أي ارتباط، إنه حب ممتزج بالفداء والتضحية، وعشقٌ به تحلو الحياة، وحُلمٌ يسكن الفؤاد، وقلوبٌ متحدة متماسكة مُسْتمسكة برباطِ الوحدة، وآباء وأمهات وبناة مؤسسُون صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وشهداءُ يحمون الحدود ويذُبّون عن الأرض والعرض والمال، إنه الوطن، المفهوم الأكثر رسوخاً ونفاسةً وعَظَمةً وشمولا، وطنٌ منبعُ الأصولِ والثقافة، وطَّنْته المكارمُ والقيم، وغُرِست فيه المآثر والشيم، وشُيدت فيه صروحُ الخير والنماء، وأضحى علامةً بارزة من معالم العطاء.
«لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ». إنه عيد الاتحاد الثاني والخمسين، عنوانُ الوفاء بتلك الأمانة، وهو الاستدامة بأبهى صورِها وأصفى تجلياتها، وهو الشعورُ بالمسؤولية التي يوجِّهُنا إليها قائدُنا سيدي صاحب السمو محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات -حفظه الله ورعاه- حين يقول: (هذه أمانة وطن وأمانة أهلكم في أعناقكم، وكل منكم يحملها.. المهمة ليست سهلة لكن بلادنا تستاهل) نعم سيدي...! الوطن يستحق منا الكثيرَ والكثيرَ والكثير.
فإذا هبتْ مواسمُ الأفراح، وأيامُ الأوطان، وذكرياتُ العهودِ والأشجان، وعبيقُ مَعاهد البطولات والمنجزات، حَلَّتْ النفحات والنسمات، وعمَّت البركات والخيرات، وأضحى الفرح نصيبا مفروضا للجميع، يتزينُ الأطفال والصبيان تعبيرا عن فرحتهم بالوطن بفطَرِهِم السليمة، ويعلو وجهَ الكبار دفءُ الذكريات، وتحلو حلوى الأمهات والأخوات والزوجات، ويبتسمُ الغريبُ بيننا، ويَحنُ الغائب، ويُنشدُ الجميع نشيد المجد والفخر والإباء: (عيشي بلادي عاش اتحاد إماراتنا عشت لشعب دينه الإسلام هديه القرآن حصنتك باسم الله يا وطن) إنه الإجماعُ ومظاهرُ الاتحاد، ومنها نستمدُّ الاجتماعَ والوحدةَ والقوة، وتجديدَ العهد، وملازمةَ غِرزِ الوطن والاعتصامَ بحبله، ونشكرُ لله تعالى على هذه النعمة السابغة، ونرفعُ أكف الضراعة -دعاءً وثناء مخلصين- لهذه القيادة الحكيمة.
إنها مناسبة وطنية، ومختبر سنوي متجدد نفحص فيه نظرتنا للوطن، نُصححُ الخللَ، ونُقوِّمُ المعوجَّ، ونغرسُ في أجيالنا تلك المبادئ الغالية، ونُوجهُ طلبتنا وشبابَنا لقِبلةِ الوطن، ونستنهضُ همَمَنا للمُضي قدما في دروبِ التنميةِ والازدهار، ونَشدُّ على أيدي أولئك -الغافلين والمتغافلين- عن الوطن، فمن لا يفتخرُ بوطنه لا يَصْدقُ في أي انتماء آخر، ولا يُفلحُ حيث أتى، فالوطنُ يقنيٌّ ثابتٌ ولا مناقشة في الثوابت، إذ إن العقوقَ للوطن شرُّ العقوق، ومن هنا فإن حبَّ الوطن والاحتفالَ به غير متوقف على رأيٍ شرعي أو فتوى، لأنه مشاعرُ صادقة تعبيرا وامتنانا وشكرا لمن امتن علينا بهذه النعمة، وقضايا الوطن ليس فيها حياد، وإنما فيها الانحياز الكامل: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا».
إن مُهمتَنا وأولويتنا القصوى -ونحن مُؤْتمَنِينَ على تعاليمِ ديننا الحنيف من قِبَل قيادة هذا الوطن المعطاء- أن نَّعكسَ الصورةَ الحقيقيةَ لهذا الوطن، ونعملَ بمستوى همَّةِ وقمَّةِ هذا الوطن، ونغرسَ في المجتمع بالأسلوب الحكيم معانيَ البرِّ بالوطن، فالوطنُ أولى بالبرِّ والقُربة، وهذه مسؤوليتُنا وواجبُنا الشرعي.
(فالحَمْدُ للَّهِ الَّذِي كَفَانَا، وآوَانا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ) وإننا في هذا اليوم المباركِ نتوجهُ إلى المولى جلت قدرته كما بوَأَنَا مبوأ صدق، وأدخلَنا مدخل صدق، أن يجعلَ لهذا البلد لسانَ صدق في الآخرين، وأن يحفظَ وطنَنا، ويباركَ في دولتنا، ويُسعدَ شعبَنا، ويديمَ مسيرتَنا وتنميتَنا واستقرارَانا وازدهارَنا، ويوفِّقَ قيادتَنا الرشيدة، ويجعلَ السدادَ حليفَها في جميع الأمور، ويعيدَ علينا وعلى الجميع هذه الأيام السعيدة ونحن نتفيأ ظلال العهودِ الزاهرةِ بالعلوم والمعارفِ والتقدمِ والتطورِ.
*كاتب إماراتي