تعتمد مكافحة تغير المناخ على نحو متزايد على المال من يملك المال والأدوات اللازمة لمساعدة بلدان العالم النامية على تحمل ويلات تغير المناخ. يتحكم رئيس البنك الدولي «أجاي بانجا» في بعض تلك الروافع. ففي يونيو، بعد عقود من العمل كمدير تنفيذي للشركات، أصبح أول شخص من الجنوب العالمي يتولى قيادة مجموعة البنك الدولي، التي أصدرت العام الماضي 128 مليار دولار في هيئة قروض ومنح واستثمارات وضمانات. ولكن بينما يبدو «بانجا» - هندي المولد - وكأنه يتمتع بالمؤهلات اللازمة لسد الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، فإنه يواجه تحديات متعددة بعد خمسة أشهر فقط من توليه المنصب.
يقول نشطاء المناخ إنه لا يفعل ما يكفي. ويرفض «الجمهوريون» في الكونجرس تخصيص الأموال التي يحتاجها «بانجا» لإثبات خطأ منتقديه. ويرفض زعماء بعض الدول النامية فكرة أن يكون للبنك الدولي سيطرة دائمة على صندوق لمساعدتهم على التعامل مع تغير المناخ، قائلين إنه يمنح الولايات المتحدة قدراً كبيراً من النفوذ.
في وقت لاحق من هذا الشهر، ستجتمع عشرات الوفود في دبي لحضور مؤتمر المناخ العالمي (COP28)، حيث سيكون البنك الدولي مرة أخرى في قلب السجال بين الدول الفقيرة والغنية. وقال «بانجا» لصحيفة «واشنطن بوست»: «مهمتي هي الاهتمام بالفقراء والتنمية والمناخ، ومحاولة إبعاد السياسة وإيجاد المجالات ذات الاهتمام المشترك». ويدرك «بانجا» جيداً أن المؤسسة التي يديرها منذ 79 عاماً تواجه انعدام ثقة عميقاً بشأن أخطاء الماضي، مثل تمويل مشاريع السدود المدمرة ومشاريع الوقود الأحفوري. وأوضح أنه يعتزم توجيه مجموعة البنك الدولي في اتجاه مختلف.
وخلال مناقشة جرت مؤخراً في «مجلس العلاقات الخارجية»، أقر «بانجا» بالأهمية الملحة لقضية تغير المناخ.
أصبح «بانجا»، أحد خريجي مدارس النخبة في الهند، مواطناً أميركياً متجنساً في عام 2007. وأثناء عمله كمدير تنفيذي دولي في «سيتي جروب»، ورئيس تنفيذي لشركة «ماستركارد»، ومؤخراً، نائب رئيس مجلس إدارة شركة الأسهم الخاصة «جنرال أتلانتيك»، جمع ثروة كبيرة. وأجرى اتصالات في جميع أنحاء العالم. وبسبب علاقاته التجارية، يشك بعض قادة الدول النامية في أنه سيكون عاملاً للتغيير. وقال «هارجيت سينج»، زعيم التحالف الذي يضم ثماني دول جزرية معرضة للخطر، إنه يشكك في أن «بانجا» سيحول سياسات البنك الدولي نحو سياسات العدالة، بدلاً من الربح. ومع ذلك، يقول أنصار «بانجا» إنه يدرك تماما الحاجة إلى التحرك، وأنه لم يتول منصبه الحالي إلا منذ فترة قصيرة.
جاذبية «بانجا» لا يمكن أن تصل إلى هذا الحد إلا في ضوء تحديات يواجهها ليس فقط من الدول النامية، بل وأيضاً من الكونجرس الأميركي، وخاصة «الجمهوريين» في مجلس النواب. ولكي يعمل البنك الدولي على زيادة قروضه المناخية، ولكي تساهم الولايات المتحدة بشكل كبير في صندوق «الخسائر والأضرار»، فسيحتاج الكونجرس إلى الموافقة على المخصصات. وقد رفض حتى الآن القيام بذلك، حتى مع تزايد احتياجات العالم المناخية. في العام الماضي، وفقاً لـ«بانجا»، تضاءلت المنح والقروض التي قدمتها مجموعة البنك الدولي البالغة 128 مليار دولار، مقارنة بمبلغ تريليون دولار أو أكثر سنوياً، والتي يقول العديد من المحللين الخاصين إن البلدان النامية ستحتاج إليها للاستثمار في مجال تغير المناخ بحلول عام 2025، إذا أرادت حماية سكانها من موجات الحر الشديدة والعواصف والجفاف وارتفاع منسوب مياه البحار، وغيرها من تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويقول الاقتصادي «جيفري ساكس»، مدير مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا: «هذا مبلغ ضئيل مقارنة بالاحتياجات. إنه دون المستوى بشكل صادم». وأضاف ساكس أن بانجا «يمكنه القيادة داخل البنك. لكننا نحتاج إلى قيادة من الكونجرس... هذه هي النقطة الشائكة الحقيقية». وبينما يتساءل البعض عما إذا كان بانجا يتمتع بالخبرة السياسية اللازمة، فإنه ليس غريباً على أروقة السلطة.
ولدى «بانجا» أيضاً خطة لإحراز تقدم في تمويل المناخ، حتى مع الوضع الحالي للسياسة الأميركية. وفي مقابلته الأخيرة، أوضح استراتيجيته قائلاً: «علينا فقط أن نحصل على أموال القطاع الخاص».
إن العدالة والشفافية ليستا من الكلمات التي يربطها العديد من النقاد بالبنك الدولي. وقد وصف سينج البنك بأنه «كيان معروف بتفاقمه الأزمات وإدامة عدم المساواة العالمية».
كان للولايات المتحدة حصة تصويت مسيطرة في البنك الدولي منذ أن أنشأته هي وحلفاؤها قرب نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي عام 2010، كان البنك يمول مشاريع الوقود الأحفوري، بما في ذلك قرض بقيمة 3.75 مليار دولار في ذلك العام لجنوب أفريقيا.
وللإشارة إلى التزامه بالتغيير، قام «بانجا» بالعديد من الرحلات التقى خلالها بأكثر من خمسين من زعماء العالم كجزء من الجهود الرامية إلى تأمين رؤوس أموال جديدة ومساعدة البنك الدولي على تسهيل المزيد من القروض. ورغم أن المهمة التاريخية للبنك الدولي كانت تتلخص في تخفيف حدة الفقر، فإن بانجا يواجه ضغوطاً لإعادة تخصيص موارده على نحو مباشر لمواجهة تغير المناخ. واعتبارا من عام 2022، ارتفع إجمالي محفظة التمويل المناخي للبنك إلى مستوى قياسي قدره 29.4 مليار دولار. ويقول بعض مراقبي المناخ إن هذه هي البداية، ولكنها ليست كافية إطلاقاً.
وكتب «سكوت مور»، خبير المياه السابق في البنك الدولي، في مقال نشر في مجلة فورين أفيرز: «إذا كان البنك جاداً بشأن تلبية مجموعة أهدافه التنموية، فإنه لا يستطيع أن يفعل ذلك دون معالجة تغير المناخ أولاً». وأضاف: «من المتوقع أن يطغى تغير المناخ على العديد من مشاريع البنك وأهدافه، ويجب أن يكون «سبب وجوده».
«بانجا» يرى أن تخفيف حدة الفقر يجب أن يظل أولوية، لكن «رؤية البنك تحتاج إلى تجاوز الفقر لتتبنى كوكباً صالحا للعيش». وكجزء من محفظته، خصص البنك 14 مليار دولار كمساعدات لمكافحة فيروس كورونا، وتمويل إعادة إعمار أوكرانيا - بمجرد توقف القتال هناك.
وحتى من دون تلك الالتزامات الأخرى، يرى «بانجا» أنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن احتياجات المناخ في الجنوب العالمي يمكن تلبيتها من خلال البنك وحده. «لا أعتقد أنه سيكون هناك ما يكفي من المال في خزائن الحكومات أو في الدول الغنية أو الفقيرة للتغلب على تحدي المناخ». وأضاف أن الجواب هو رأس المال الخاص. ويمتلك البنك الدولي أدوات مالية مثل التأمين ضد المخاطر السياسية أو القروض الميسرة لانتزاع الأموال السائبة من القطاع الخاص. كما أنه يتمتع بالنفوذ اللازم لإزالة الحواجز التي تعيق الاستثمار الخاص في البلدان النامية، وقد قام بتعيين 15 من كبار المسؤولين التنفيذيين والاقتصاديين في يوليو للقيام بذلك من خلال مختبر استثمار القطاع الخاص.
وقد أعلن البنك الدولي أنه سيضع شروطاً جديدة للديون المرنة للمناخ للمقترضين الأكثر ضعفاً، حتى يتمكنوا من إعادة توجيه الأموال بسرعة، لإعادة بناء اقتصاداتهم في حالة حدوث حالة طوارئ مناخية.
وعلى الرغم من هذه الجهود، يظل بنك «بانجا» نقطة مضيئة في الفترة التي تسبق انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28). ويحاول المفاوضون التوصل إلى تفاصيل حول «صندوق الخسائر والأضرار»، الذي نوقش منذ فترة طويلة، بما في ذلك من سيديره ومن سيموله.
وحتى يوم السبت، كانت المحادثات على وشك الانهيار؛ بسبب تساؤلات حول الرسوم العامة التي قد يفرضها البنك واستقلالية أموال الخسائر والأضرار. ولكن بعد ذلك وافق مندوبو الدول النامية على مضض على السماح للبنك الدولي باستضافة الصندوق على أساس مؤقت.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»