تربط بين الهند ومملكة بوتان علاقة فريدة من نوعها. ففي منطقة تشهد نزاعاتٍ حدوديةً وتضارباً في وجهات النظر حول عدد من القضايا، نمت العلاقات بين الهند وبوتان بسلاسة وسلمية. ولهذا تُعد زيارة عاهل بوتان جيغمي خيسار وانغشوك إلى الهند، وهي الثانية له هذا العام، مهمةً لتعزيز التعاون بين البلدين، لا سيما في مجال البُنى التحتية والعلاقات الاقتصادية. وخلال المحادثات الثنائية التي جمعت ملك بوتان ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، تباحث الجانبان قضايا التعاون والملفات الإقليمية والعالمية، واتفقا على إجراء الدراسة النهائية لمشروع خط السكك الحديدية العابر للحدود المقترح بين مدينة كوكراجهار في ولاية آسام الهندية وبلدة جيليفو في مملكة بوتان. كما تقرر بحث إمكانية إقامة مشروع خط ثانٍ للسكك الحديدية بين بانارهات في ولاية البنغال الغربية وسامتسي في بوتان. ومن القرارات المهمة الأخرى التي تم اتخاذها أيضاً اختيار درانغا في ولاية آسام وسامدروب جونغخار في بوتان لاحتضان نقطة تفتيش للهجرة بين البلدين بهدف تسهيل دخول مواطني الدول الأخرى وخروجهم عن طريق البر تشجيعاً للسياحة. ولتعزيز التجارة الإقليمية، تم الاتفاق على إيجاد سبل لتيسير التجارة بين بنغلاديش وبوتان عبر اختيار هالديباري في ولاية البنغال الغربية الهندية وتشيلاهاتي في بنغلاديش كطريق للسكك الحديدية. كما قررت الهند تخصيص مقاعد إضافية في كليات الطب والجامعات الهندية في ولاية آسام للطلبة البوتانيين، في مسعى لضمان وصول المواطنين البوتانيين إلى تعليم وتدريب طبي جيد.
وكل هذه القرارات تُعد مهمة في النهوض بالعلاقات التجارية والاقتصادية والروابط الإنسانية مع بوتان، والتي تظل وثيقة جداً على كل حال، إذ تقوم الهند بتقديم مساعدات اقتصادية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في بوتان منذ أوائل الستينيات. وحتى الآن، تشكّل مساهمة الهند البالغة 45 مليار روبية نسبة 73٪ من إجمالي المنح الخارجية المقدمة لبوتان. وتركز مساعدات الحكومة الهندية على التنمية الزراعية والري والقطاع الصحي من بين أمور أخرى. ويُعد تطوير الطاقة الكهرومائية مجالا مهماً للتعاون بالنسبة لبوتان، إنه يقع في قلب التنمية الاجتماعية والاقتصادية في بوتان. وتؤطّر التعاونَ في هذا القطاع بين البلدين اتفاقيةُ التعاون الثنائي لعام 2006 وبروتوكولها الموقّع في عام 2009. وتشتري الهندُ الطاقةَ من أربعة مشاريع للطاقة الكهرومائية يبلغ مجموع إنتاجها 2136 ميغاوات في بوتان. كما تعمل على تسهيل تبادل الطاقة الكهرومائية مع نيبال إلى جانب بنغلاديش وسريلانكا من أجل إنشاء شبكة إقليمية من شأنها المساهمة في تحقيق الاندماج الاقتصادي للمنطقة وتقاسم الموارد.
وعلاوة على ذلك، تخطّط مملكة بوتان لإنشاء «منطقة اقتصادية خاصة» على الحدود الجنوبية لبوتان مع ولاية آسام الهندية، وإقامة مطار في جيلي فو، لدعم النمو والاستثمار في بوتان. مشاريع يُتوقع ألا تقتصر فوائدها على بوتان فحسب، ولكنها ستساعد الهندَ أيضاً على النهوض بمنطقتها الشمالية الشرقية التي تُعد متأخرةً في التنمية مقارنة بمناطق أخرى من البلاد. ويأتي تعزيز الهند لتعاونها مع بوتان في وقت تتحرك فيه هذه المملكة الواقعة في جبال الهيمالايا من أجل تسوية نزاعاتها الإقليمية مع الصين. ويذكر هنا أن بوتان هي الدولة الوحيدة في جنوب آسيا التي لا تقيم معها الصينُ علاقاتٍ دبلوماسيةً، وإنْ كانت بكين قد عزّزت وجودَها في جنوب آسيا خلال السنوات القليلة الماضية.
وتأتي زيارة ملك بوتان إلى الهند بعد أقل من أسبوعين على زيارة وزير التجارة والشؤون الخارجية لبوتان تاندي دورجي إلى الصين، والتي كانت الأولى من نوعها التي يقوم بها وزير خارجية بوتاني، وذلك من أجل المشاركة في الجولة الخامسة والعشرين من محادثاتهما حول الحدود. ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، فإنهما يتفاوضان حول حل القضايا الحدودية منذ عام 1984. محادثات ازدادت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة، إذ أعلن رئيس وزراء بوتان أن تسوية مشكلة الحدود باتت وشيكة من أجل رسم خط سيُطلق عليه «الخط الحدودي بين الصين وبوتان». وقد كان الوزير واضحاً إذ قال: «من الناحية النظرية، كيف يمكن لبوتان ألا تكون لها أي علاقات ثنائية مع الصين؟ إن السؤال هو: متى وبأي طريقة؟».
وتتجه بوتان والصين الآن نحو إكمال خريطة طريق تتألف من ثلاث مراحل لترسيم الحدود بينهما بشكل كامل، بما في ذلك تحديد الأراضي الممتدة على طول هضبة دوكلام، وفقاً لرئيس وزراء بوتان لوتاي تشيرينغ. ولا شك في أن إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين ستمثّل خطوةً كبيرة إلى الأمام بالنسبة لبوتان التي لطالما تحاشت العالَم الخارجي وكانت حذرة من تنفيذ عدد كبير من مشاريع البنى الأساسية. والواقع أن بوتان تمثّل قصةَ نجاح أخرى في جنوب آسيا فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، ومن المتوقع أن تخرج من قائمة أقل البلدان نمواً في عام 2023. كما تخطّط لأن تصبح دولة متقدمةً خلال السنوات العشر المقبلة. ومن الواضح أنه لئن كان من الوارد أن تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، فإنه ليس هناك شك في أن الهند وبوتان تربطهما وشائج وثيقة وعلاقات متينة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي