كلما نشبت أزمة كبيرة أو بدا أن الاستقرار مُهدَّدٌ في منطقةٍ ما أو في العالم، تجدد الجدلُ حول دور المنظمة الدولية. كانت الآمالُ المُعلَّقة على الأمم المتحدة عند تأسيسها عام 1945 عظيمةً بعد حربين عالميتين طاحنتين، لم تنشب حرب عالمية بعدهما حتى الآن. لكن حدثت، وما زالت، حروبٌ إقليمية عدة. كما ازدادت الأزمات في مختلف عواصم العالم، بل ربما صار وجودها أمراً معتاداً لا يستدعي كثير اهتمامٍ، إلا إذا تصاعدت إحداها. كما أن الحرب التي بدأت إقليميةً في أوكرانيا لا تخلو من أبعادٍ عالمية، فيما تنطوي الحرب في غزة الآن على بعض هذه الأبعاد.
وفي كلٍ منهما تبدو الأمم المتحدة مُقيَّدَةً، بعد أن كانت قادرةً على التحرك والتأثير بدرجاتٍ مُتفاوتة بعد تأسيسها حين كانت الدولتان العُظميان حريصتين بدرجةٍ أو بأخرى على مُحّدِدات التوازن الدولي. لكن دور المنظمة أخذ في التراجع بمقدار ما ازدادت الصراعات، وخاصةً منذ التسعينيات، في ظل حالة عدم يقين بشأن مستقبل العالم. ولهذا من الطبيعي أن تثير الحروبُ والأزمات المتواليةُ سؤالاً متكرراً حول ما الذي يتعين عمله لتفعيل دور الأمم المتحدة؟
إصلاح مجلس الأمن جوابٌ شائع عن ذلك السؤال. ولا يخلو هذا الجواب من منطق. المجلسُ هو المسؤول الأول عن حفظ السلام والأمن الدوليين. وعندما نستعيد ما حدث في دورات الجمعية العامة خلال السنوات العشر الأخيرة بصفة خاصة، نجد أن أياً منها لم يخل من دعواتٍ إلى إصلاح مجلس الأمن. وحدث ذلك مُجدَّداً في الدورة 78 التي بدأت في 19 سبتمبر الماضي تحت عنوان: «إعادة بناء الثقة وإحياء التضامن العالمي». وتكرر ما يحدث منذ نحو ربع قرنٍ تقريباً، إذ عيَّن الرئيس الجديد لهذه الدورة سفيرين يُمثلُ أحدهما الدول الغربية التي لديها أكبر عددٍ من المقاعد الدائمة في المجلس (3 من 5). والثاني يُمثل ما كان يُسمى العالَم الثالث. والمعتاد أن يعقدا لقاءات، ويُجريا مُشاوراتٍ مع أعدادٍ متفاوتة من الدول، لعدة أشهر، ويُقدِّما في النهاية مقترحاتٍ لا يُعرفُ مصيرها. وهذا واحدٌ من أوجه خلل عدة في عمل الأمم المتحدة عامةً، إذ لا يُبنى على ما يُنجز، ولا يحدثُ بالتالي التراكم الضروري لتحقيق نقلة نحو الأمام. ولهذا يثير السؤال عن كيفية إصلاح مجلس الأمن سؤالا آخر أشمل حول إمكانات تحقيق ذلك بمعزل عن تغييرٍ أوسع في الأمم المتحدة بوجهٍ عام.
ولأن العالم منظومة واحدة، لابد أن يكون السؤالُ الثاني مصحوباً بثالثٍ عن إمكانية إصلاح الأمم المتحدة في ظل حالة النظام العالمي الآن. فقد بات هذا النظام نفسه في حاجةٍ إلى إصلاح سيبقى مأمولاً حتى العثور على نقطةٍ في الوسط بين محاولات في جانبٍ لتغييره كُلياً، وسعي في جانب ثانٍ للإبقاء عليه.. وخيرُ الأمور وسطها.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية