رداً على العقوبات التي أطلقتها مجموعة دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا، في موازاة الحرب المستمرة مع أوكرانيا بدءاً من فبراير 2022، تواجه الشركات الأجنبية، وبخاصة الأوروبية والأميركية العاملة في روسيا، خسائر كبيرة نتيجة تطبيق قانون «عقوبات روسية مضادة» بداية من سبتمبر الماضي، مقابل أرباح للمستثمرين الروس الذين يمكن أن تنتقل إليهم ملكية الأسهم الأجنبية عن طريق تقديم طلب لدى المحكمة في موسكو لإقصاء المستثمرين الأجانب من سلسلة الملكية. وبموجب القانون الجديد فإنه يمنع على الشركات القابضة الأجنبية المرتبطة ببلدان «غير صديقة»، الاستفادة من بعض الأصول في التعامل مع الشركات الروسية الكبرى.
وبذلك لن يخسر مالكو الشركات الغربية أملاكهم فحسب، بل يمنعون أيضاً من بيع حصصهم إلى كيانات أخرى، وذلك بمجرد إضافة أسماء هذه الشركات إلى «القائمة السوداء»، وعندها يخسرون حقهم في التصويت، وفي حضور اجتماعات أصحاب الأسهم. ويشمل القانونُ الكياناتِ الغربيةَ التي تملك حصة تفوق نسبتها الـ50 بالمئة في شركات تحقق عائدات سنوية بقيمة 75 مليون روبل (نحو 782 مليون دولار) فما فوق أو تشمل أربعة آلاف موظف فما فوق.
وقد سبق لروسيا، بعد اعتمادها سياسة الانفتاح على العالم منذ أكثر من 30 سنة، أن شهدت هجمة استثمارية كبيرة شملت مختلف القطاعات، بما فيها النفط والغاز، حتى وصل عدد الشركات الأجنبية الناشطة في اقتصادها لنحو 48216 شركة في عام 2021، أي قبل الحرب الروسية ضد أوكرانيا. لكن مع بداية الحرب، أقدم عدد كبير من هذه الشركات على تصفية أعمالها ومغادرة الأراضي الروسية. وبما أن الشركات الأبرز التي واجهت الخسائر تعمل في مجال النفط، فقد كانت مجموعة «بي بي» البريطانية أول المغادرين في أواخر فبراير الماضي (أي بعد أيام من الحرب)، وقدرت خسائرها بأكثر من 22 مليار يورو.
ووفق إحصاء أجرته جامعة يال الأميركية ما تزال نحو 100 شركة من دول «مجموعة السبع» تعمل في روسيا، ورغم أن عدداً من الشركات بررت بقاءها بالرغبة في الحفاظ على مصادر عيش موظفيها وفي الحيلولة دون سيطرة الحكومة الروسية على أصولها.. فإن هذه الشركات تواجه الآن خطرَ مصادرة أصولها وأرباحها.
وفي سياق «حرب العقوبات المتبادلة»، طرحت موسكو اقتراحاً يمكّن الشركات الغربية في روسيا من استرجاع أصولها، مقابل أن تستعيد الكيانات الروسية أصولها المجمدة من قبل الحكومات الغربية والمقدّرة بأكثر من 300 مليار دولار. لكن يبدو في رأي المراقبين أن روسيا بذلك تجعل من نفسها وجهةً غير جاذبة للاستثمار، لكن الضغوط الغربية تدفعها إلى مضايقة الشركات العاملة لديها، وإبلاغ حكومات دولها بتكبيدها خسائر كبيرة وأزمات إضافية، إذا لم تنحسر العقوبات الموجهة ضدها من الغرب. وهذا مع الإشارة إلى أنه يتوقع أن يبتكر الكرملين أنواعاً أخرى من التدابير الصارمة.
ولوحظ أنه بنتيجة العقوبات الغربية على موسكو، توطدت علاقات الصين المصرفية مع روسيا، حيث قدمت المؤسسات المالية الصينية مليارات الدولارات للبنوك الروسية، وزادت حجم إقراضها لروسيا بخمسة أضعاف تقريباً، وحلت البنوك الصينية محل البنوك الغربية التي تعرضت لضغوط هائلة من حكومات بلدانها كي تغادر السوق الروسية.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية