ربما لا مناص من أن يفسّر النُقاد الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي بين إدارة بايدن وحكومة الرئيس نيكولاس مادورو لتخفيف العقوبات الأميركية على فنزويلا، ليس باعتباره إجراء يروم تعزيز الديمقراطية في فنزويلا، بقدر ما هو مناورة هدفها إنقاذ الرئيس بايدن سياسياً. الاتفاق يسمح للولايات المتحدة بإعادة المرحّلين الفنزويليين إلى بلدهم لأول مرة منذ سنوات، وهو ما يُعد انتصاراً للإدارة الأميركية التي تواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع أعداد هائلة من المهاجرين على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. فالشهر الماضي، مثلاً، بلغ عدد الفنزويليين على الحدود الأميركية 72 ألفاً، وهو ما فاق عدد المكسيكيين لأول مرة. ويأمل البيت الأبيض أن تؤدي عمليات الترحيل إلى ثني طالبي اللجوء الفنزويليين عن القدوم.
وفضلاً عن ذلك، سيسمح الاتفاق مع كاراكاس بوصول مزيد من النفط الفنزويلي إلى الأسواق العالمية - والذي يمثّل مصدر قلق كبيراً للولايات المتحدة منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. كما سيساهم في الحد من الحوافز التي تدفع كاراكاس إلى التقرب من روسيا والصين وإيران.
غير أن الانتقادات التي تذهب إلى أن الصفقة تهدف لخدمة مصالح أميركية خفية تقدِّم تحليلاً مشوهًا جداً لما يُعد، في الواقع، تحولاً بنّاءً في سياسة واشنطن تجاه فنزويلا منذ أن شرعت إدارة ترامب في فرض عقوبات عليها في 2017 لشل صناعتها النفطية وإخضاع البلاد. والواقع أن أحد أكبر الإنجازات التي حققتها العقوبات هو السقوط الحر للاقتصاد. فاليوم، بات حجم الاقتصاد الفنزويلي يعادل حوالي ثلث ما كان عليه في 2015. وفي 2013، وهو العام الذي وصل فيه «مادورو» إلى السلطة، كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكبر بـ20 في المئة من المعدل المسجل في أميركا الجنوبية. أما اليوم، فقد أصبحت فنزويلا أفقر دولة في المنطقة، بفارق كبير.
وعلاوة على ذلك، فإن التضخم مرتفع، والناس يعانون من نقص حاد في الوقود والأدوية وغيرها من الضروريات. كما غادر البلاد قرابة 8 ملايين فنزويلي يستبد بهم اليأس – أي ما يعادل نحو واحد من كل أربعة فنزويليين – قاصدين كولومبيا وغيرها من بلدان أميركا اللاتينية حيث يطلبون اللجوء. كما وصل مئات الآلاف منهم إلى الولايات المتحدة.
وما لم تحقّقه ستُّ سنوات من العقوبات الاقتصادية هو إعادة فنزويلا إلى الديمقراطية، كما كان مرجواً. وحتى عند قبول المنطق الذي يقف وراء هذا النوع من السياسات - أن التسبب في معاناة شديدة للسكان سيؤدي إلى انتفاضها ضد نظام غير مرغوب فيه - فإنه من الصعب ألا يُنظر إلى العقوبة على أنها ليست لا إنسانية فحسب، ولكن غير مجدية أيضاً.
حتى «مكتب محاسبة الحكومة» يعترف بأن سلسلة العقوبات التي فرضت على البنك المركزي الفنزويلي وقطاعي النفط وتعدين الذهب، من بين أمور أخرى، إضافة إلى المستثمرين الذين يستثمرون في الديون الفنزويلية، «ساهم على الأرجح» في التراجع الحاد.
وفي ضوء ذلك، يبدو قرار إدارة بايدن القاضي بتخفيف العقوبات المفروضة على فنزويلا، في مقابل اتفاق بين نظام مادورو والمعارضة، يضمن إجراء انتخابات العام المقبل تحت إشرافٍ دولي بمثابة انتصارٍ للمنطق والإنسانية.
والأكيد أن حكومة مادورو ستفرح بالأموال التي ستتدفق عليها حينما تخفَّف العقوبات، وستُنفقها بسخاء على إغراء الناخبين. ولهذا، يجب على واشنطن التحقق من وفاء النظام الفنزويلي بجزئه من الصفقة. وسيتعين على هذا الأخير بشكل خاص إطلاق سراح السجناء السياسيين ورفع قرار المنع من شغل أي منصب رسمي عن ماريا كورينا ماتشادو، التي فازت في الانتخابات الرئاسية التمهيدية لائتلاف المعارضة الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى المرشحين المحتملين الآخرين.
ولكن الاتفاق مصمَّمٌ على نحو جيد: فتخفيف العقوبات مؤقت، وواشنطن أوضحت أنها مستعدة لإعادة فرض مجموعة جديدة من العقوبات اعتباراً من نوفمبر المقبل، إنْ رأت أن كاراكاس لم تفِ بشروط الاتفاق.
هذا لا يضمن النصر للمعارضة بالطبع؛ بل إنه لا يضمن حتى أن تكون العملية الانتخابية نزيهة بالكامل.
وتظلّ الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن العقوبات لم تفعل شيئاً للتأثير على السلطة، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنه مفعول تلك العقوبات سيبدأ فجأة في الظهور. ومن جهة أخرى، يبدو أن عرض إلغائها يمثّل حافزاً للحكومة في كاراكاس لمواصلة عملية تستطيع تحقيق ديمقراطية متفاوض بشأنها. ولا شك أنه إذا أنهى الاتفاقُ الأزمة الإنسانية التي أدت إلى تشتت الملايين من الفنزويليين اليائسين عبر الأميركيتين، فإن ذلك جيد أيضاً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»