تايلاند مملكة علمانية، دينها الرسمي إن صح التعبير «البوذية»، ولكنها ليست دولة دينية. جميع الأديان الأخرى متعايشة مع بعضها من دون تكلف، وأحاديث الناس لا تسمع ولو همساً، مع أن الجميع يؤدي شعائر دينه من دون إعلان ولا إعلام، فهو في النتيجة النهائية أمر خاص لا أحد يسألك عنه.
هناك توازن دقيق في تعامل الدولة مع تنوع الأديان باختلاف نسبها في المجتمع، نسبة المسلمين قرابة 10%، هؤلاء معظمهم يعيشون في جنوب تايلاند والبقية ينتشرون في معظم مناطق الدولة.
أما الهندوسية فهي دين أقلية في تايلاند؛ إذ لا يتبعه سوى 0.03% من سكانها. مع أن تايلاند بلد معظمها بوذي، فإن فيها تأثيراً هندوسيّاً قويّاً، فالملحمة التايلاندية راماكين مثلاً مبنية على الرامايانا، يصور شعار تايلاند غارودا الذي هو فاهانا (مركبة) فشنو.
أتحدث هنا كسائح وصحفي ومهتم بالشأن الإسلامي في أي مكان، نبدأ من رأس السلطة الملكية، المستشار السياسي والديني للملك مسلم تايلندي خريج الأزهر الشريف، وظيفته الرئيسة الحفاظ على السلم المجتمعي لكافة الطوائف الدينية في المملكة.
وعندما تم «انقلاب أبيض» قبل عقد من الزمن، ولم تتفق الحكومة على رئيس للوزراء، تدخل الملك وعين قائد الجيش المسلم لإدارة الدولة لحين إجراء الانتحابات واختيار رئيس للحكومة.
ليس للدين حمولة سلبية في المجتمع التايلاندي المنسجم مع مكوناته، خاصة أن الدولة بعيدة كل البعد عن كل ما يثار من لغط حول الأديان.
أي أنه ليس في تايلاند تسييس للدين، أي دين كان، أو تديين للسياسة، فأي مجتمع بعيد عن هذا المحيط الملغم، لا بد وأنه في وئام مع كل الفسيفساء المكون لبحاره وأنهاره وجميع شرايينه.
ما هي أهم احتياجات المسلم في مجتمع «بوذي»؟ أولاً له حق المواطنة الكاملة، يستطيع من خلاله الوصول إلى أعلى المراتب في الدولة أو الحكومة، وهذا يعني أن حقه السياسي مضمون بحكم الدستور، وكون أنه من الأقلية لا يعني ذلك حرمانه من تقلد الوزارات أو انتخابه من ضمن أعضاء البرلمان، وله وجود في كل المناصب السياسية والسيادية بالدولة بلا تمييز أو تفرقة.
حرية العبادة مع توفير دورها ومساجدها، وتبدأ تلك الحرية من ساعة دخولك المطار، الذي يتوفر فيه كافة مستلزمات الحياة الروحية والعبادة الربانية.
أما إذا غادرت المطار إلى وسط المدينة في «بانكوك»، الناظر حول الطريق السريع يظن أنه في دولة مسلمة جوامعها الضخمة ذات الطوابق المتعددة تشير أولاً إلى ذلك وليس المعابد البوذية.
حتى إذا وصلت إلى الأحياء الصغيرة في وسط العاصمة، وخاصة في «حي العرب»، فإن بعض أصحاب المطاعم، خصصوا الطابق الأخير في المبنى إلى مسجد يؤذن فيه علانية ويُصلى فيه أيام الجُمعة وتقام فيه صلاة الجماعة الخمس.
أما أصحاب السياحة الطبية، فإنهم لا يحتاجون إلى عناء البحث عن مكان لأداء الصلوات، ففي المستشفيات أماكن فسيحة لأداء صلاة الجمعة باللغة العربية، وقد حضرت خطبة مكتوبة من قبل هيئة الأوقاف الإسلامية بدولة الإمارات، فلم يكن لدى المسلمين هناك ما يمنع الاستعانة بخطب الدول الأخرى.
وإذا آويت إلى فراشك في الفندق، رأيت قبلة الصلاة أمام ناظريك، دون أن تسأل «جوجل»، فإن خرجت إلى نزهة التسوق في أحد المراكز التجارية، وجدت المسجد بين يديك.
هذا هو جزء يسير من حال الإسلام في مملكة تايلاند، الذي كان للتجار العرب والمسلمين الفضل في اعتناق هذا الإسلام منذ قرون.
*كاتب إماراتي