في الصيف الماضي، تعرضت اليونان، مهد الحضارة الغربية، لكوارث طبيعية. حيث اجتاح الماء والهواء وخاصة النار جزر البحر المتوسط العديدة، مما خلف وراءه سلسلة من الحطام. وشهدت درجات الحرارة ارتفاعاً شديداً في تلك الجزيرة، مما أدى إلى اندلاع مئات من حرائق الغابات. وفي مدينة ألكسندروبوليس الساحلية، «تحولت غابات الصنوبر إلى لحاء هيكلي أسود، بينما اشتعلت النيران في غابة «داديا»، وهي موطن محمية طبيعية رائعة، على مساحة 281 ميلاً مربعاً - وهي مساحة تعادل مساحة مدينة نيويورك تقريباً.
وفي جميع أنحاء اليونان، كان لا بد من إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص، من السكان المحليين والسياح على حد سواء، مما خلق مشاهد مروعة للآباء وهم يمسكون بأطفالهم على ظهورهم، والأمهات يحملن على عاتقهن كل ما يمكن حمله من الضروريات. عائلات بأكملها نزحت ليس بسبب الحرب أو العنف، ولكن بسبب تغير المناخ.
وفي سبتمبر، بعد أسابيع قليلة من الحرائق، جاءت السيول، وضربت العواصف بلغاريا وتركيا واليونان، مما أدى إلى حدوث فيضانات هائلة. وسجلت المناطق هطول أمطار قياسية - ما يعادل موسماً واحداً في يوم واحد، وفقاً لأحد التقديرات. وكانت الذروة عندما غمرت الأمطار مدينة درنة الليبية على ساحل البحر المتوسط. وجرفت أحياء بأكملها إلى البحر بعد أن غمرت الأمطار السدود القديمة في المدينة. وبلغ عدد القتلى هناك 11300 شخص، ولا يزال مصير 10000 شخص في عداد المفقودين.
وذكرني هذا السيل في اليونان وما حولها ببلدي باكستان، وما يسمى بالفيضان الهائل الذي تعرضت له قبل عام واحد. تعد المناطق الواقعة في شمال باكستان هي موطن لأكبر مجموعة من الأنهار الجليدية على الأرض خارج المناطق القطبية - وتحيط بها أعلى ثلاث سلاسل جبلية في العالم: جبال الهيمالايا، وكاراكورام، وهندو كوش. المناظر الطبيعية هناك جميلة للغاية. ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، أدى ذوبان الأنهار الجليدية إلى تكوين أكثر من 3000 بحيرة جديدة، مما يشكل مخاطر تعرض7 ملايين شخص في اتجاه مجرى النهر للفيضانات.
وفي العام الماضي، ساهمت درجات الحرارة الشديدة وذوبان الأنهار الجليدية في هطول الأمطار الموسمية في باكستان في وقت مبكر واستمرت لفترة أطول، مما أدى إلى هطول أمطار أعلى بنسبة 780% من المتوسط. وبلغت الأمطار الغزيرة ذروتها في الفيضانات الهائلة التي حدثت في أغسطس، والتي غمرت ثلث البلاد بالكامل. ووفقاً لليونيسيف، فقد أثر الطوفان على 33 مليون شخص، نصفهم من الأطفال. إذ غمرت المياه ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية، مما أدى إلى غرق الماشية وتدمير المحاصيل الأساسية، وتلويث أنظمة الصرف الصحي. وكان 14.5 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات غذائية طارئة، بينما تم إيواء آلاف الأسر النازحة في مدن الخيام المتهالكة، في انتظار المساعدات التي كانت تتقاطر عليها.
وهذا العام، ورغم أن كوارث منطقة البحر المتوسط كانت تحتل عناوين الأخبار الرئيسية، فإن جهود باكستان للتعافي من الكارثة تعقدت بسبب موسم آخر للرياح الموسمية الغزيرة. وفي يوليو، شهدت لاهور«أمطاراً متواصلة» حطمت الرقم القياسي لهطول الأمطار في المدينة منذ 30 عاماً. وتسببت الفيضانات والانهيارات الأرضية التي حدثت في أواخر يوليو في مقتل ما يقرب من 200 شخص، معظمهم في المناطق الجبلية المحرومة في بلوشستان. وفي مثل هذه العناصر، لا يغرق الناس فحسب، بل يتم سحقهم أيضاً عند انهيار المباني أو تعرضهم للصعق بالكهرباء بسبب سقوط خطوط الكهرباء.
بعد مرور ستة أشهر على الفيضانات الهائلة، لا يزال 10 ملايين باكستاني يفتقرون إلى إمكانية الحصول على مياه الشرب الآمنة. وبعد مرور عام، لاحظت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية توقف النمو بين الأطفال في هذه المناطق، حيث تساهم المياه الراكدة أو الملوثة في تفشي حمى الضنك والملاريا والتهاب المعدة والأمعاء.
أفضل عدم الكتابة عن حالة الطوارئ المناخية. إذ أنني كاتبة روائية في المقام الأول. وأنا أيضاً مناصرة لحقوق المرأة. ومع ذلك، أجد نفسي على نحو متزايد غير قادرة على الحديث عن أي شيء آخر غير الفشل في مواجهة الانهيار المناخي. لا توجد قضية نسوية أكثر إلحاحا في العالم. وحتى أكثر مفاهيمنا جرأة حول كيفية تحسين وضع المرأة تعزيز القدرة على الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والسكن والحرية ستصبح بلا معنى إذا جرفت الفيضانات الضخمة النساء، أو دُفِن تحت الانهيارات الأرضية، أو اختنقن بفعل حرائق الغابات.
بينما يموت عدد لا يحصى من الباكستانيين في كارثة الرياح الموسمية، فقد يموت كثيرون آخرون أثناء محاولتهم الهروب منها. قبل أسابيع قليلة من اندلاع حرائق الغابات في البحر المتوسط في الصيف الماضي، انقلبت سفينة صيد تدعى أدريانا قبالة ساحل بيلوس في اليونان. وكانت السفينة التي تقدر طاقتها بـ 400 راكب، تقل نحو 750 شخصاً، كثير منهم باكستانيون. وكان مهربو البشر قد وعدوا العديد منهم بالعبور إلى إيطاليا، ودفعت عائلاتهم تكاليف مرورهم. وفي الساعات الأولى من يوم 14 يونيو، غرق المئات ليلقوا حتفهم في البحر المتوسط. (قد يكون من المستحيل إجراء إحصاء دقيق لعدد المفقودين والقتلى، لكن السلطات اليونانية أكدت وجود 104 ناجين فقط).
كان شهر يوليو هو الشهر الأكثر سخونة الذي تم تسجيله على كوكب الأرض على الإطلاق. وفي الصين، عانى الناس من ارتفاع درجة الحرارة إلى 126 درجة فهرنهايت، كما عانت بلدان أخرى عديدة من الحرارة الشديدة. وتم تحطيم أرقام قياسية مماثلة في شهري أغسطس وسبتمبر، مما يشير إلى أن «الحرارة الأكثر ارتفاعاً على الإطلاق» هي الوضع الطبيعي الجديد. وقد أدت ثلاثة أشهر من الطقس القاسي إلى نزوح 150 ألف شخص وقتل 18 ألف شخص على مستوى العالم. إن هذه المعالم المتزايدة باستمرار، ودرجات الحرارة المرتفعة والقاتلة، تنذر بفظائع متسارعة لمليارات البشر الذين يعتبرون هذا الكوكب وطنهم. وسنتحمل هذه الكوارث - حرائق الغابات، والفيضانات الهائلة، والأعاصير، وأمواج التسونامي - لأطول فترة ممكنة.
فاطمة بوتو
كاتبة وروائية باكستانية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»