مع تطور العلم والحاجة إلى محاكاة الذكاء البشري، يبرز دور الذكاء الاصطناعي في دفع عجلة النمو الاقتصادي الذي يقاس بنسبة مئوية تمثل معدل الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي، وتسهم القوى العاملة، والبنية التحتية، إضافةً إلى توافر فرص جديدة للعمل، والاستثمار، والتقدم التكنولوجي، ونمو دخل الفرد، وغيرها من العوامل، في رسم ملامح النمو الاقتصادي عامةً.
ويبرز هنا دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز هذه الملامح، بتأثيره المتواصل في القطاعات الوظيفية المختلفة، ولا يقتصر دوره على تعزيز الوظائف الحالية، وتحسين أدائها فقط، بل يسهم أيضاً بفاعلية في تطوير سوق العمل، ودعمها، وطرح فرص وظيفية جديدة، ولذا يرجَّح أن تزيد الحاجة إلى الوظائف المتخصصة بتعليم علوم الذكاء الاصطناعي، وفتح المجال أمام تطبيقاتها، إضافةً إلى توسيع مجال العمل في البحوث التطويرية ذات الصلة، ودراسة تطورها المستقبلي.
ومع زيادة حجم البيانات، التي تغذي الذكاء الاصطناعي، ستتوافر فرص وظيفية جديدة تتمثل في مجالات عدة، كتجميع البيانات، وإجراء عمليات تحليلها المعقدة، ولن يقتصر الأمر على ذلك، إذ ستتوافر فرص أخرى لتطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وإدارة أنظمة عمل الآلات بهذا النوع من الذكاء، وسيرفع ذلك معدل الإنتاجية، الذي يعد سمة مهمة للنمو الاقتصادي، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم أيضاً في التنبؤ بالطلب، والتوجيه إلى استغلال الموارد بالطرق المثلى بما يلبي الاحتياجات.
ويحفز الذكاء الاصطناعي عملية التحول الرقمي، وتنمية المشروعات الصغيرة، وتقليل فرص الأخطاء البشرية في بعض الحالات، وسيفتح الذكاء الاصطناعي آفاقاً جديدة للتنافس في السوق، لتقديم هذه الخدمات على نحو أفضل، بما ينعش الحركة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال سيسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين نظم إدارة القطاعات المختلفة، ودعم التوجهات المستدامة بيئياً واقتصادياً.
وسيساعد الذكاء الاصطناعي أيضاً على تمديد عمر مكونات هياكل القطاعات، ويشمل ذلك الآلات، والنظم، والشبكات المختلفة الداعمة للاقتصاد، عن طريق طرح الصيانة التنبُّئية، واكتشاف الأعطال باكراً، وتقليل احتمالية امتداد الأثر السلبي لهذه الأعطال إلى أنظمة أخرى من النوع نفسه، أو معتمدة عليها، وينطبق هذا أيضاً على التنبؤ بحالة المصادر البيئية، وأثرها في البشر، والشبكات الفيزيائية، لتفادي الأضرار والخسائر البشرية والمادية، وتوفير الوقت والجهد.
وسيتيح الذكاء الاصطناعي للأسواق الاقتصادية فرصاً توجيهية لاتخاذ أفضل القرارات، واتِّباع أفضل الممارسات لإدارة أي مخاطر مالية، ولا سيما أن الاستراتيجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي ستضمن فرصاً أكبر لاستمرارية المشروعات القائمة، ونموها بكفاءة، واختيار الأفضل من بينها للاستثمار في مجالات مدعومة بعمليات البحث، والتطوير، والابتكار.
ولا يخلو الأمر من تخوف بشأن خسارة الوظائف التقليدية المفتقرة إلى هذا النوع من الذكاء، إضافةً إلى قلق بعضهم من عدم دقة تحليل الذكاء الاصطناعي للبيانات، ومن ثم عدم دقة القرارات التي تبنى على ذلك، فضلاً عن الخطر المترتب على تحيز هذه البيانات، وما يرتبط بذلك من مسائل خصوصية المعلومات، واستخدامها غير الشرعي، كسرقة هويات المستخدمين، وقد ينتهي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، ولا سيما في العمليات الحساسة، وإلغاء الدور البشري، إلى كوارث ضخمة، فما الحل إذن؟
إن تعليم الذكاء الاصطناعي، وصقل المهارات، ومعالجة التحيز، وخلق فرص لتدخل البشر في العمليات الحساسة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، أمور لا بد منها، ويمكن أن نتغلب على هذه المخاوف عن طريق توفير الدورات التدريبية اللازمة، ودمج علوم الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، والتوعية العامة بأهميتها، إضافةً إلى إيجاد فرص عمل جديدة لأصحاب الأعمال التقليدية، .
وبطبيعة الحال لا بد من ترسيخ الأمن السيبراني لضمان بيئة تحمي خصوصية المستخدم، وتحترمها، وتحمي البيانات، والأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي، وسيتطلب ذلك دعماً على مستويات عدة: مادية، وعلمية، وفنية، وتقنية. وسيحقق التعاون بين الحكومات، وصانعي السياسات، ومسؤولي المرافق، وملاك الصناعات، والباحثين في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، النتائج المرجوة من رسم سياسات الذكاء الاصطناعي، الذي سيضطلع بدور حاسم في تشكيل مستقبل أفضل، وتحديد الأثر المترتب على المجتمع، والنمو الاقتصادي.
*أستاذ مشارك في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا