المعاملة بالمثل.. ومعضلة برنامج «الإعفاء من التأشيرة»
جيمس زغبي*
عندما اتصل بي أحد كبار المسؤولين في وزارة الأمن الداخلي «لينبهني» بشأن إعلان إدارة بايدن الرسمي عن قبول إسرائيل في برنامج الإعفاء من التأشيرة الأميركية (VWP)، مع علمه بمعارضتي بسبب تاريخ إسرائيل في المعاملة التمييزية ضد الأميركيين العرب، قال: «أعلم أنك تشعر بخيبة أمل». أجبت: «أنا لا أشعر بخيبة أمل. أنا أشعر بالإهانة والغضب». يمكنني رؤية وجوه وسماع أصوات المئات من العرب الأميركيين الذين رووا على مدى عقود قصصهم عن حرمانهم من دخول إسرائيل أو الاستجواب والإذلال الذي دام ساعات طويلة على يد موظفي الهجرة الإسرائيليين.
لقد واجهت شخصياً هذه المعاملة في التسعينيات عندما كنت أدير مشروعاً لنائب الرئيس آل جور يهدف إلى دعم عملية السلام الجديدة آنذاك. وفي إحدى الزيارات، كنت على وشك الغياب عن حضور وجبة العشاء مع آل جور والكنيست الإسرائيلي، وذلك بسبب استجوابي لساعات حول أصول والدي اللبنانية (والذي هاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1922). وتكرر هذا السلوك عند مغادرتي. وعندما سمعتْ وزيرةُ الخارجية «مادلين أولبرايت» عن هذه المضايقات، شعرتْ بالانزعاج الشديد لدرجة أنها أثارت القضية مع نظيرتها الإسرائيلية. وفي السنوات التي تلت ذلك، استمر هذا السلوك الإسرائيلي، بل وتفاقم. وفي عام 2014، عندما ضغط بعض أعضاء الكونجرس من أجل إتاحة برنامج الإعفاء من التأشيرة لإسرائيل، ألغت وزارة الخارجية الفكرة، مشيرة إلى أن معاملة إسرائيل التمييزية للأميركيين العرب حالت دون قبولها. لقد سررت لأن المحادثات المبكرة مع حملة بايدن أسفرت عن بيان الالتزامات تجاه الأميركيين العرب: «ستواجه إدارة بايدن-هاريس السياسات التمييزية التي تميز الأميركيين العرب وتضع مجتمعات بأكملها في موضع الشك»، و«سيحمي جو بايدن الحق الدستوري لمواطنينا في حرية التعبير.
كما أنه لا يدعم الجهود التي تبذلها أي ديمقراطية لتجريم حرية التعبير، ولهذا السبب فقد أعرب عن اعتراضه على قرار إسرائيل بمنع دخول المشرعين الأميركيين لأنهم يفضلون مقاطعة إسرائيل». وعلى هذه الخلفية، شعرت بالإزعاج من البوادر المبكرة التي تشير إلى أن الإدارة كانت تفكر في قبول انضمام إسرائيل إلى برنامج الإعفاء من التأشيرة - على الرغم من عدم حدوث تغيير في معاملتها للزائرين من الأميركيين العرب.
وأكد لنا مسؤولو بايدن أنه لن يتم قبول إسرائيل أبدا دون إقرار بند رئيسي في البرنامج - وهو المتطلب القانوني الذي يطالب بالمعاملة الكاملة بالمثل بين الولايات المتحدة والدول الخاضعة لبرنامج الإعفاء من التأشيرة. ثم في أواخر الصيف، وقع المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون على «مذكرة تفاهم» بشأن شروط السماح لإسرائيل بالانضمام إلى البرنامج. وأشارت مسودة مسربة إلى أن الولايات المتحدة سمحت للإسرائيليين بإعادة تعريف «المعاملة بالمثل»، مع التركيز على عدد صغير من الأميركيين الفلسطينيين الذين وافقوا على المطالب الإسرائيلية بالسفر ببطاقة هوية فلسطينية - وليس جواز سفرهم الأميركي.
ولم تتطرق مذكرة التفاهم إلى مئات الآلاف من الأميركيين الفلسطينيين الذين لا يملكون هذه الوثيقة أو يريدونها، أو الملايين من الأميركيين العرب الآخرين الذين يرغبون في زيارة الأراضي المقدسة. وكانت هناك فترة اختبار مدتها ستة أسابيع، لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل ستجتاز اختبار «المعاملة بالمثل»، والتي ركزت على سماح إسرائيل للمواطنين الأميركيين الذين يحملون بطاقات هوية فلسطينية باستخدام مطار بن جوريون. لم تناقش مذكرة التفاهم أو حتى تذكر: الاستجواب المزعج للزوار الأميركيين العرب بعد الدخول أو عند المغادرة، وإجبار المواطنين الأميركيين الذين يحملون بطاقات هوية فلسطينية على الدخول بوثائقهم الفلسطينية بحيث لا يتمتعون بأي حماية تحظى بها الجنسية الأميركية داخل الأراضي المحتلة، ومنع المواطنين الأميركيين (العرب، السود، المسلمين، المسيحيين، اليهود) من الدخول بسبب آرائهم السياسية حول النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، واستحالة السياسات المتبادلة مع دولة تمارس احتلالاً عسكرياً. لأن الاختبار الذي وضعته إسرائيل، بموافقة الولايات المتحدة، انطبق على مجموعة فرعية صغيرة من المجتمع المتأثر وسيكون ساري المفعول لفترة قصيرة كهذه - كان الحل واضحاً. فقد سمحت الإدارة لإسرائيل بتبسيط معنى المعاملة بالمثل وبتمرير اختبارها الذي صاغته بنفسها.
لقد أشرت لمسؤولي الإدارة وأعضاء الكونجرس إلى أن القضية لا تتعلق بإسرائيل، بل بما إذا كان رئيسنا سيحمي حقوق المواطنين العرب الأميركيين، وما إذا كانت حكومتنا ستحترم التعهد الموجود في جوازات سفرنا والمنصوص عليه في بنود الحماية المتساوية في الدستور، وما إذا كان رئيسنا سيفي بوعده بمحاربة السياسات التمييزية وتلك التي تعاقب حرية التعبير للمواطنين الأميركيين. لقد نجحت إسرائيل في اختبارها ذاتي الصياغة، لكن إدارة بايدن لم تقم باحترام المتطلبات القانونية لبرنامج الإعفاء من التأشيرة وتعهدها تجاه الأميركيين العرب. ولهذا السبب أشعر بالإهانة والغضب.
رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن