النازية.. التي تتمدد وتكبر في الانتخابات
انتهت الحرب العالمية الثانية فعلياً بسقوط الزعيم النازي أدولف هتلر في مخبئه في برلين في منتصف عام 1945.
وكل ما تلا ذلك خلال الأشهر التالية من اشتباكات وحروب في أماكن متفرقة من العالم كان من قبيل التشطيبات النهائية لإنهاء الحرب لا أقل ولا أكثر. بدأ هتلر الحرب بغزو بولندا وأنهاها بانتحاره، لذلك ظل الرجل ذو الشارب المربع في الوجدان الغربي رمزاً لوحشية الحروب، وظل اسم «النازية» رديفاً لكل الأفعال الخارجة عن الشرعية الدولية. انتهت الحرب بخسارة هتلر وألمانيا والنازية، لكنْ الأوروبيون ظلوا سنوات طويلة بعد الحرب يستعيدون ذكراها في كل مناسبة، ويتحدثون عن أهوالها ومآسيها بالتزام يكاد يكون مبرمجاً في قلوبهم قبل عقولهم.
كانوا يفعلون ذلك بدأب ومثابرة لا يتوقفان، ليؤسسوا في الوعي الجمعي لسكان القارة «منطقة عزل» تمنع العودة إلى الحرب أو حتى التفكير في إشعال حرب جديدة. وكانوا يلاحقون النازية من دولة لدولة ومن مدينة لمدينة ومن شارع لشارع، ومن بيت لبيت ومن عقل لعقل، ليضمنوا عدم الوقوع مرة أخرى في حرب شاملة تقتل من أبنائهم الملايين كما فعلت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
استمر الأوروبيون لسنوات طويلة في هذه الحرب الأخلاقية «المبررة» ضد كل ما هو نازي، وكان العالم بالطبع يقف معهم ويدعمهم في المحافل كافة، لكن شيئاً فشيئاً تحول الدأب والمثابرة في العمل ضد النازية بهدف رفع الوعي ضد الحروب إلى دأب ومثابرة ضد النازية بهدف التكسب الانتخابي في الديموقراطيات الغربية. من كان يتحدث ضد النازية في الخمسينات من القرن الماضي ويلاحق معتنقيها ويحذر منها، لا يشبه بأي حال من الأحوال من يتحدث عنها اليوم ويحذر منها ويلاحق معتنقيها ويعدهم بالويل والثبور.
الأول كان مجرباً للحرب، ومخلصاً للقضية التي يتحدث عنها، أما الثاني فهو مجرد بائع للكلام ومشترٍ للمكاسب، وإلا فإن الحديث عن «النازية» اليوم في المنتديات الغربية يندرج ضمن الحملات الانتخابية وأجندات التكسب لدى القوى الشعبية المؤثرة على رأي وتوجه الناخب البسيط، وهذا بالضبط ما ينطبق على رئيس مجلس العموم الكندي وعضو الحزب الليبرالي «أنتوني روتا»، الذي استقال من منصبه لوصفه - عن طريق الخطأ - جندياً أوكرانياً شارك في الحرب تحت مظلة النازيين، بالبطل! الجندي ياروسلاف هونكا «الذي ليس بطلاً» يبلغ من العمر 98 عاماً ويعيش في كندا منذ عقود، وأظنه نسي كل ما يربطه بأوكرانيا وألمانيا وانخرط في الحياة الكندية «التي أعدها جزءاً من نسيج أوروبا خارج الحدود»، ولم يتوقع أبداً أن يتم تسليط الضوء من جديد على حياته في الجندية. عاش حياته الجديدة في انفصال تام عن ماضيه إلى أن حطت رحال الرئيس الأوكراني في البرلمان الكندي، فجيء به محمولاً على سوء الفهم.
«روتا» أخطأ من حيث أراد أن يجامل فلوديمير زيلينسكي. أخطأ بالفعل. وخطأه كبير ومحرج للغاية كما يقول «جاستن ترودو» رئيس الوزراء الكندي، لكن مبالغته في الشعور بالذنب ليست بسبب أنه اعتقد أن «هونكا» مقاتل أوكراني وطني، بينما هو في الحقيقة كان يعمل لدى النازيين، وإنما هو يبالغ ويسرف في المبالغة ويلقي باللوم على نفسه، ويتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعاله كما يقول؛ لأنه بهذا السلوك يعزل نفسه عن حزبه وبالتالي يضمن أن لا تتأثر حظوظ الحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
«روتا» بكل بساطة هو كبش فداء باختياره، لبروباغاندا معقدة لا يُراد لها أن تنتهي في أوروبا وفي الدول الأوروبية خارج أوروبا ومن بينها كندا. في المرة المقبلة، إذا سمعت سياسياً أوروبياً يتحدث عن النازية، فعليك أن تتحسس صناديق الاقتراع.
*كاتب سعودي