اتجاهات التنافس في سوق السيارات الكهربائية
كثيرة هي مسببات التنافس الراهن في الاقتصاد العالمي، فقد بدأ من التنافس العالمي المستعر حالياً على عناصر الإنتاج النادرة، وصولاً للتنافس في حلبة التجارة والاستثمار وريادة التكنولوجيا فائقة التقدم، ويمكن القول إن أبرز مسببات هذا التنافس هو سعي كل اقتصاد لتحقيق أكبر قدر من النمو الاقتصادي لينأى بنفسه بعيداً عن دوائر الركود والتضخم الآخذة في الاتساع.
وفي ظل إلحاح قضايا البيئة على أجندة النمو الاقتصادي العالمي، ونظراً لما تقدمه السيارات الكهربائية من حلول مستدامة للنمو المتصالح مع البيئة، فكان طبيعياً أن تحتدم المنافسة بين أقطاب العالم في سوق هذه السيارات، سواء في الحصول على حصة أكبر من كعكته المزدهرة والتي وصلت في الربع الأول من العام الجاري 2023 إلى نحو 2.5 مليون سيارة بنمو قدره 25% للفترة المناظرة في العام 2022، أو في استقطاب أكبر قدر من الاستثمارات المتخصصة في إنتاج السيارات الكهربائية وبطارياتها. وأحدث فصول هذا التنافس نشهدها حالياً بين الصين من ناحية والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى.
فبينما تنطلق العقيدة الاقتصادية الأوروبية من المعارضة الشديدة للدعم الحكومي بكافة أشكاله، فإنها ترى أن الحكومة الصينية بتقديمها الدعم لصنّاع السيارات الكهربائية قد أوجدت مسبباً إضافياً لزيادة التنافس واتساع رقعة الشقاق في هذه السوق، ذلك أن الدعم الصيني ليس كفيلاً بأن تحسم السيارات الكهربائية الصينية المنافسة السعرية في السوق العالمية لصالحها فحسب، وإنما تحسمها لصالحها أيضاً داخل السوق الأوروبية ذاتها، وهو ما صار يشكل إزعاجاً كبيراً لصنّاع السيارات الأوروبيين ومن ورائهم المفوضية الأوروبية.
وبضغط من الحكومة الفرنسية، فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقاً في قضية الدعم الصيني للسيارات الكهربائية بفارق سعري يقدر بنحو 20%، مدعية أن الصين تغزو أسواق العالم لكونها تُبقي أسعار سياراتها الكهربائية منخفضة بشكل مصطنع، بفضل إعانات عامة ضخمة.
وبافتراض أن التحقيق الأوروبي قد انتهى إلى فرض رسوم إغراق ضخمة على الواردات الأوروبية من السيارات الكهربائية الصينية، فإن ذلك قد يترك آثاراً سلبية لا تنتهي على حركة التجارة الدولية وسلاسل التوريد العالمية، تلك السلاسل التي تشهد بالفعل ظروفاً دولية أقل ما توصف به أنها ظروف عصيبة.
فتعطُّل جزء من حركة التجارة الدولية بين الصين وأوروبا بفعل هذه الرسوم قد يعني عاصفة من التأثيرات على أسواق السلع والخدمات، وصولاً لأسواق المال الدولية. ولمَ لا، والتجارة الأوروبية مع الصين تشكل نحو 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي، كما تمثل الصين سوقاً واسعة للمنتجات الأوروبية، بما فيها السيارات الألمانية ذائعة الصيت والمنتجات الفرنسية الفاخرة.
وإذا أضيف للتنافس الصيني الأوروبي في سوق السيارات الكهربائية سباق آخر محموم في تكنولوجيا بطاريات الحالة الصلبة بقيادة الشركات اليابانية، فيمكن القول إن هذا التنافس سيلعب دوراً بالغ الأهمية في إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية لعالم المستقبل.
*نائب رئيس قطاع البحوث والاستشارات - مركز تريندز للبحوث والاستشارات