اليمين الأميركي وعلماء المناخ.. فخ «المبالغة»
يبدو الأمر كما لو أن حلم منكري تغير المناخ قد أصبح حقيقة. فقد اعترف عالم مناخ مرموق علناً بأنه قام بتزوير الأبحاث من أجل نشرها.
هذا هو الأساس الذي صورت به العناوين الرئيسية المثيرة في وسائل الإعلام اليمينية ادعاء العالم «باتريك براون» هذا الأسبوع بأنه بالغ في تضخيم تأثير تغير المناخ على مخاطر حرائق الغابات لجعل بحثه يُنشر في مجلة «نيتشر» المرموقة. لكن القصة الحقيقية ليست بهذه البساطة.
في بداية اعترافه بالخطأ، يشير براون إلى عمود سبق أن كتبته الشهر الماضي عن حرائق غابات «ماوي»، مستشهداً به كمثال على كيفية مساهمة وسائل الإعلام في رواية مفادها أن مثل هذه الحرائق هي «في الغالب نتيجة لتغير المناخ». ورغم أنني أقدر هذا الارتباط، فلابد أن أشير إلى أنني لم أزعم في أي مكان في مقالتي أن تغير المناخ كان السبب الرئيسي لحرائق «ماوي».
لقد أشرت بقوة إلى أنه كان عاملاً مساهماً، حيث إن الكثير من الجانب المواجه للريح من جزر هاواي محصور في دورة الجفاف التي تفاقمت وستستمر في التفاقم بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري. ولكن بالطبع هناك مجموعة من العوامل الأخرى التي ساهمت في كارثة ماوي، بدءاً من إدارة الأراضي المشكوك فيها وحتى الخطأ البشري. إن تحديد النسبة التي نلقي بها اللوم على تغير المناخ أمر مستحيل، على الأقل بالنسبة لي، وربما لأي علماء حقيقيين.
ويجب أن يبدو هذا النوع من التفكير مألوفاً لبراون، لأن هذه هي بالضبط الطريقة التي يبدأ بها بحثه في مجلة «نيتشر» حول حرائق الغابات: «يُعزى جزء من التغير في سلوك حرائق الغابات إلى ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنشطة البشرية، ولكن من الصعب تحديد هذه المساهمة رسمياً بسبب العديد من العوامل المحيّرة...» في بقية البحث، يستخدم براون والمؤلفون السبعة المشاركون معه في إعداده التعلم الآلي لمحاولة معرفة كيف أثر تغير المناخ، وسيستمر في التأثير، على خطر حرائق الغابات، وذلك بشكل رئيسي عن طريق الوقود الجاف مثل الشجيرات والعشب (كما حدث في ماوي على سبيل المثال).
ووجدوا، بدرجة معقولة من اليقين، أن تغير المناخ أدى في الواقع إلى زيادة خطر حرائق الغابات في الماضي القريب، وسيؤدي إلى تفاقم هذا الخطر بشكل أكبر في المستقبل القريب. هذه الدراسة منطقية، ولم تتم المبالغة فيها بشكل واضح، وتمت مراجعتها من قبل النظراء. كما أنها تردد ما ورد في العديد من الدراسات الحديثة الأخرى التي توصلت إلى نتائج مماثلة.
لكن براون يدعي أيضاً، في عموده الذي نُشر في شركة «ذا فري برس» The Free Press، وهي شركة إعلامية أسسها الكاتب السابق في صحيفة نيويورك تايمز «باري فايس»، أنه والمؤلفين المشاركين معه «لم يكلفوا أنفسهم عناء دراسة» العوامل الأخرى التي تساهم في حرائق الغابات، مما يجعل تحليلهم مقصوراً على تغير المناخ. وقد تم اتخاذ هذا القرار، وفقاً لبراون، لتأكيد أن الدراسة تتوافق مع السرد القائل بأن تغير المناخ هو المشكلة الأساسية للعالم، وأن تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة هو الحل الوحيد.
يقول براون إن الانحراف عن هذا المسار سيؤدي إلى رفض محرري المجلات المرموقة والمراجعين النظراء لأبحاثك، مما يجبرك على اللجوء إلى مطبوعات أقل، على حساب حياتك المهنية. وكتب براون: «لقد أوضح محررو هذه المجلات، سواء من خلال ما ينشرونه أو ما يرفضونه، أنهم يريدون أبحاثاً مناخية تدعم بعض الروايات المعتمدة مسبقاً - حتى عندما تأتي هذه الروايات على حساب المعرفة الأوسع للمجتمع».
ومع ذلك، أجرى عالم المناخ «ريتشارد بلاك» مسحاً سريعاً لمنشورات الشهر الماضي فقط في مجلة «نيتشر» ووجد أوراقاً بحثية، تتضمن: - إزالة غابات الأمازون هي في المقام الأول نتيجة لتطبيق سيئ للقانون، اللوم في هطول الأمطار الغزيرة في اليابان يعود إلى اختلاط مياه المحيط، ونقاط الضعف الاجتماعية الأساسية هي المسؤولة عن كوارث الطقس المتطرف أكثر من المناخ.
وقد شاركت اختصاصية علم المناخ «فريدريك أوتو» في كتابة هذه الورقة البحثية الثالثة، وهي رائدة في مجال العلوم المزدهرة التي تربط الظواهر الجوية المتطرفة بتغير المناخ. لقد جعلها هذا العمل تحصل على لقب «كاساندرا المناخ»، وهي مهنة رفيعة المستوى يبدو أن «أوتو» لا تمانع في المخاطرة بها من خلال مواجهة رواية براون المزعومة.
كل هذا يشير إلى أن مجلة «نيتشر» ليس لديها مشكلة في نشر الأبحاث التي تتعارض مع السرد المذكور. ومن جانبها، نفت «ماجدالينا سكيبر»، رئيسة تحرير مجلة نيتشر، أن تكون مطبوعتها تفرض أي أجندة وانتقدت براون لمحاولته التلاعب بالمجلة. وأشارت سكيبر أيضاً إلى أن المراجعين الأقران اقترحوا أنه يتعين على براون أن يُدرج عوامل حرائق الغابات الأخرى في بحثه، إلى جانب المناخ، لكنه جادل (بشكل مقنع جداً) بأن ذلك ليس ضرورياً لأغراض بحثه.
وهذا لا يشير فقط إلى أن نشر عمل «براون» كان من الممكن أن يكون أسهل لو أنه أخذ هذه العوامل في الاعتبار، بل يشير أيضاً إلى أنه إذا كانت هناك أي رقابة في مجتمع علوم المناخ، فإن براون هو من يفرض الرقابة على نفسه. صحيح أن هناك إغراء، على الأقل بالنسبة لنا نحن العاملين في وسائل الإعلام، للميل إلى الأمور المثيرة للقلق عندما يتعلق الأمر بالمناخ، إذ أنه من الصعب حث القراء على إيلاء الكثير من الاهتمام بخلاف هذه الطريقة.
ولكن من الصحيح أيضاً أن أغلب علماء المناخ والكتاب ما زالوا يبذلون جهداً كبيراً لتجنب الإفراط في التنبؤ أو الجزم في تصريحاتهم، خشية اتهامهم بالترويج للكارثة التي من شأنها أن تحرض منكري المناخ وتثير يأساً بين الناس العاديين. التظاهر بخلاف ذلك، كما يفعل مقال براون في وسائل الإعلام اليمينية، لن يؤدي إلا إلى طمأنة منكري تغير المناخ، ويربك العلم ويجعل العمل الحقيقي أكثر صعوبة.
مارك جونجلوف*
*كاتب متخصص في تغير المناخ.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»