أزمة النيجر والحذر الأميركي
الانقلاب العسكري في الجابون الذي أطاح بحكم عائلة عمر وعلي بونجو بعد 55 عاماً في السلطة، جاء في أعقاب انقلابات مماثلة قام بها ضباط في النيجر وبوركينا فاسو ومالي وغينيا وتشاد وأطاحت إلى حد كبير بحكومات مدنية منتخبة، وقد يتوالى تساقط الحكومات كقطع الدومينو مع استمرار التحرش بأحزاب المعارضة في السنغال وتوجو والكاميرون.
ومع ذلك، يجب على القوى العالمية مثل الولايات المتحدة أن تسعى أولا إلى فهم الديناميكيات الإقليمية والخارجية المعقدة التي تدفع هذه الانقلابات كي تعالجها بفعالية. والمخاطر المترتبة على التصرف بشكل متهور والإذعان لنهج فرنسا القائم على التدخل مرتفعة جدا.
وحين قُتل أربعة جنود أميركيين في كمين في النيجر عام 2017، تساءل كثيرون من الأميركيين عما تفعله القوات الأميركية في البلاد. وقبل أربعة وعشرين عاماً، شلت إدارة بيل كلينتون حركة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا بعد مقتل 18 جنديا أميركيا في كمين مماثل في الصومال، وسحبت القوات الأميركية من البلاد وسط صيحات عالية تطالب بعدم إرسال جنود. ثم استمرت «الحرب العالمية ضد الإرهاب» التي شنها جورج بوش الابن في أفريقيا إلى عهد إدارة باراك أوباما الذي عزز كثيرا الوجود الأميركي، فقد نشر فرقا في اثنتي عشرة دولة أفريقية، وشيد قواعد للطائرات المسيرة في جيبوتي وإثيوبيا وسيشيل، وأقام طائرات مسيرة وقاعدة جوية في النيجر كلفت 110 ملايين دولار تضم الآن 1100 جندي أميركي. وفي وقت انقلاب النيجر، كان لدى فرنسا التي كانت تستعمر البلاد سابقا جنود يحمون مناجم اليورانيوم في شمال البلاد، فاستمرت في ذلك النمط الاستغلالي المتمثل.. وانهارت بشدة القيادة الفرنسية لدول مجموعة الساحل الخمس، وتتألف من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد وموريتانيا، منذ عام 2013.
فقد طُرد الجيش الفرنسي من قاعدته في مالي، وناصبت الأنظمة العسكرية في بوركينا فاسو وغينيا باريس العداء. ومن ثم، فمن الضروري فهم الآليات الإقليمية لهذا الصراع. وهددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) -المؤلفة من 15 عضوا- الانقلابيين بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني في النيجر بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى السلطة وهو الموقف الذي أيدته واشنطن بحذر. لكن إيكواس تواجه أزمة وجودية. فهي مقسمة حالياً إلى أربعة معسكرات واسعة.
السياسة الأميركية مترددة أيضا تجاه ما يجري في النيجر، على الرغم من وصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للبلاد بأنها كانت «نموذجا للديمقراطية» قبل ستة أشهر فقط. وأحسنت واشنطن صنعا حتى الآن بتجنبها الموقف الفرنسي المعادي صراحة للمجلس العسكري في النيجر. وطالب الجنرال تشياني بسحب 1500 جندي فرنسي من البلاد. ويتعين على الولايات المتحدة الآن أن تتوقف عن مراعاتها التقليدية لباريس تجاه منطقة الساحل لتجنب اتهامها بصبغة الاستعمارية الجديدة ذاتها.
وأي تدخل عسكري من إيكواس سيعتبر على نطاق واسع رمزا لحصان طروادة فرنسي أميركي لحماية المصالح الغربية في النيجر. ويتعين على واشنطن بدلا من هذا تقديم دعم قوي لجهود الوساطة الإقليمية التي تبذلها إيكواس والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وفي مواجهة معركة إعادة انتخاب صعبة العام المقبل، سيحرص جو بايدن على أن يتجنب، في النيجر، كارثة عسكرية أخرى على غرار ما حدث في الصومال.
أديكي أديباجو*
*باحث بارز في جامعة بريتوريا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»