في الساعات التي سبقت اجتياح إعصار إداليا منطقةَ بيج بيند في فلوريدا، وإغراق البلدات وانقطاع التيار الكهربائي عن عشرات آلاف البيوت، كان سكان «سيدار كي» (أو سيدار كيانز) يتذكرون المرةَ الأخيرة التي تعرضت فيها المنطقة لعاصفة بهذا الحجم. كان ذلك في عام 1896، وكانت الجزيرة الحاجزة الصغيرة قد تعرضت لضربة مباشرة.

وصلت سرعة الرياح إلى 125 ميلاً في الساعة ودمرت العاصفة التي بلغ ارتفاعها 10.5 قدم المباني في سيدار كي وكادت أن تسوي المدينة الواقعة على جزيرة «أتسينا أوتي» المجاورة بالأرض. وفي الأسبوع الماضي تعرضت هذه المنطقة ذات المناظر الخلابة، والتي تُعرف باسم «ساحل الطبيعة» في فلوريدا، لاختبار صعب مرة أخرى. واستجاب معظم سكان سيدار كي البالغ عددهم 700 نسمة لأوامر الإخلاء قبل وصول إعصار إيداليا من الفئة 3، حيث أدى هبوب العواصف إلى إرسال أمواج لامست بعضَ المباني.

لكن حتى مع بقاء السكان آمنين، ما يزال يتعين إحصاء الخسائر التي خلّفها الإعصار على صناعة محلية مهمة، وهي المحار. ستحتاج العديد من المباني إلى إصلاحات كبيرة. وقد لفتت العاصفةُ الانتباهَ إلى أنه حتى في الوقت الذي تلجأ فيه هذه الجزيرة إلى حلول طبيعية مثل «السواحل المكونة من مواد طبيعية» للدفاع عن نفسها، فإنها تواجه مخاطر مستمرة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، وارتفاع درجات حرارة المياه، واشتداد العواصف. لكن سكان سيدار كي لم تكن تنقصهم الشجاعة أثناء تعاملهم مع حطام إعصار إداليا. يقول مايك ألين، مدير محطة نيتشر كوست البيولوجية، وهي مركز أبحاث تابع لجامعة فلوريدا يقع على جزيرة سيدار: «كنتُ هنا خلال إعصار هيرمين عام 2016، ورأيتُ ما فعله بالمدينة، وعملنا بجد».

وأضاف: «الشيء الوحيد الذي يُشعرني بالاطمئنان بشأن هذا الأمر هو أنني رأيتُه من قبل، ورأيتُ مدى سرعة استجابة هذا المجتمع. سنقوم بإزالة آثاره، وإذا أتيتُ إلى هنا بعد ثمانية أسابيع من الآن، فستشعر بالدهشة».وصل إعصار إداليا إلى اليابسة في وقت مبكر من صباح الأربعاء في كيتون بيتش بولاية فلوريدا، على بعد حوالي 50 ميلاً شمال سيدار كي.

لقد أطلق العنان لفيضانات مدمرة، بالإضافة إلى رياح تبلغ سرعتها 125 ميلاً في الساعة، في أجزاء من بيج بيند. ونظراً لبعدها البسيط عن مركز العاصفة، فقد نجت منطقة سيدار كي من أسوأ السيناريوهات. بلغت سرعة الرياح حوالي 60 ميلاً في الساعة –وهي نفس سرعات العاصفة الاستوائية– ووصل ارتفاع العاصفة إلى حوالي 7 أقدام، وهو ما يكفي لإحداث فيضانات كبيرة وأضرار هيكلية في أجزاء كثيرة من الجزيرة، لكنه لم يؤثر على المباني القائمة على ارتفاعات أعلى. وفي يوم الخميس، بدأت مشاهد التعافي تتكشف في جميع أنحاء الجزيرة. وعملت طواقمُ الطرق على إزالة الأشجار وخطوط الكهرباء المتساقطة. عادت الكهرباء في الساعات الأولى من الصباح، بينما تم تشغيل المياه مرة أخرى في وقت لاحق من ذلك اليوم.

وعلى الرغم من أن إيداليا كانت أسوأ عاصفة تجتاح الجزيرة في الذاكرة الحية، فإن سكان سيدار كي عاشوا عواصف سيئة أخرى، ويقولون إن مجتمعهم يتماسك بسرعة بعد مثل هذه الكوارث. لكن الأمر لا يقتصر على الأضرار التي لحقت بالأرض فحسب، بل هناك أيضاً الضرر الذي قد يكون مختبئاً تحت الماء.

إن المساحة الصغيرة والطبيعة الهادئة لمنطقة سيدار كي تتناقض مع دورها الكبير في صناعة تربية الأحياء المائية في فلوريدا، إذ أنها تنتج ما يقدر بنحو 90% من محار الولاية، وتحصد حوالي 90 مليون محار سنوياً وتدر إيرادات بقيمة 35 مليون دولار. لكن الأعاصير يمكن أن تمثل تهديداً كبيراً لمزارعي المحار المحليين في سيدار كي. ويمكن للتيارات القوية أن تطرد المحار من قاع البحر، حيث يستقر في الوحل والرمال، وتتسبب في انجرافه بعيداً.

كما أن المياه العذبة التي تأتي من الأمطار المتساقطة أثناء العاصفة وزيادة التصريف من أنهار المنطقة يمكن أن تضر أيضاً بالمحار، الذي يعتبر حساساً لمستويات ملوحة المياه وكذلك لارتفاع درجات حرارتها. يقول الدكتور ألين من محطة الأبحاث البيولوجية: «ما يقلقني في عاصفة كهذه هو أن يكون لديك محار متوتر بالفعل لأن درجة حرارة الماء تبلغ 90 درجة فهرنهايت. لقد مررنا بصيف رطب إلى حد ما، لذا كان هناك الكثير من المياه العذبة حولنا، ثم جاءت عاصفة استوائية، الأمر الذي قد يجعل المحارَ معرضاً للخطر».

ما يزال من السابق لأوانه تقييم معدلات نفوق المحار، أو معرفة عدد المحار الذي تم اقتلاعه وفقده في العاصفة، كما يقول الدكتور ألين، نظراً لأن معظم مزارعي المحار مشغولون بحماية أُسرهم في هذه الظروف. وكتبت ليزلي ستورمر، خبيرة المحار التي تعمل في مكتب الإرشاد بجامعة فلوريدا: «سيستغرق الأمرُ عدةَ أيام قبل اتضاح الصورة حول آثار الإعصار، لكنها على الأرجح لن تكون جيدة». هناك شيء واحد ربما يتعين على مزارعي المحار عدم القلق بشأنه، وهو الإغلاق من قبل وزارة الزراعة وخدمات المستهلك في فلوريدا لأسباب تتعلق بالسلامة المتعلقة بنوعية المياه.

إذ يمكن أن تصبح المياه الساحلية ملوثة بعد العواصف الكبيرة بسبب زيادة الجريان السطحي والانسكابات السامة من المناطق الحضرية. لكن امتداد الساحل الذي تقع فيه منطقة سيدار كي غير متطور نسبياً مقارنة ببقية ولاية فلوريدا. وهو يحتوي على بعض من أنقى المياه في الولاية، وهو أمر ضروري لصناعة تربية الأحياء المائية المزدهرة.

ويقوم المحار بدوره بالحفاظ على نظافة المياه، حيث يستطيع تصفية ما يصل إلى 40 جالونا من الماء يومياً، مما يساعد في دعم النظم البيئية المائية مثل قاع الأعشاب البحرية، والتي يمكنها أيضاً امتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون. وترتبط البيئة وتربية الأحياء المائية ارتباطاً وثيقاً في منطقة سيدار كي: ما يفيد أحدهما يفيد الآخر.

وقد عمل السكان بجد على مر السنين لحماية مياههم، ولمحاربة مقترحات التنمية المحلية، وللقضاء طوعاً على خزانات الصرف الصحي في الجزيرة، وتثقيف السكان المحليين والزوار على حد سواء حول أهمية المياه الصحية. لكن الجزيرة تواجه خطرَ العواصف التي تزداد قوتُها بسبب تغير المناخ، فضلا عن تهديد آخر يتمثل في ارتفاع منسوب مياه البحار.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»

ستيفاني كاستيلانو*

*صحفية لدى «كريستيان ساينس مونيتور»