أفغانستان بعد عامين من حكم «طالبان»
مرَّ عامان منذ وصول حركة «طالبان» للحكم في أفغانستان بعد الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية منتصف أغسطس 2021، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في تاريخ أفغانستان، ولكنها لم تأتِ بجديد أو يحدث خلالها تحوُّل يذكر، حيث ما زال البلد يعاني من تدهور الأمن ومن وضع اقتصادي مأساوي.
حين دخلت قوات «طالبان» القصر الرئاسي في 15 أغسطس 2021، منتشية، على أثر الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية، وانهيار القوات الحكومية أمام زحف مقاتلي الحركة على العاصمة، كانت التصورات عن مستقبل البلاد خليطاً من الخوف والقلق، والأمل والتفاؤل.
الخوف والقلق بسبب التاريخ، حيث تبادر إلى الأذهان الفترة التي حكمت فيها «طالبان» البلاد في تسعينيات القرن الماضي، والتي اتسمت بالتشدد في قراراتها، بما في ذلك منع تعليم الفتيات وغيرها من السياسات التي ألحقت الضرر بالبلاد. كما أن الحركة، وحتى قبل سيطرتها مجدداً على كابول، كانت تفرض قيوداً على الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية الخاضعة لها، حيث كانت تفرض على النساء البقاء في منازلهن، على عكس ما هو الحال في العاصمة، حيث كان يُسمح للنساء بالذهاب إلى العمل والمدارس وحتى المشاركة في الحياة العامة، بما فيها المناصب الوزارية وعضوية مجلس الشعب،...إلخ.
أما الأمل أو حتى التفاؤل - برغم محدوديته - فكان نابعاً من الواقع الذي تعيشه البلاد بعد عقود من الحرب والدمار، والاعتقاد بأن الحركة قد تغيَّرت وأنها أمام معطيات محلية وإقليمية ودولية تفرض عليها تبنّي مقاربات مختلفة، إذا ما أرادت بالفعل أن تنجح وتقود البلاد نحو مرحلة جديدة، خصوصاً أنها كانت تُحمّل الاحتلال الأميركي والحكومات في ظله، كل مشاكل البلاد.
ولكن الواقع بعد عامين من حكم «طالبان» يبدو مخيباً للآمال، حيث لم تنجح الحركة في التعامل مع التحديات التي تواجه البلاد داخليّاً وخارجيّاً، فداخليّاً ما زال الوضع الأمني متدهوراً، حيث تواصلت عمليات التفجير والقتل، فضلاً عن تنامي نفوذ بعض الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم «داعش» الذي ينشط في مناطق عدة. واقتصاديّاً تعيش البلاد في وضع مأسوي، ولا سيما في ظل مقاطعة الكثير من الدول للحركة، ورفض واشنطن الإفراج عن أموال مجمّدة ما لم تغير الحركة سياستها وتشكِّل حكومة وحدة وطنية، إضافة - وهذا هو الأهم - إلى عدم تمكن الحكومة التي شكلتها وتقودها الحركة من إنعاش الاقتصاد أو بالأحرى عدم وجود رؤية حقيقية للخروج بالبلاد من أزمتها المستعصية. فأفغانستان وإنْ كانت قبل عودة «طالبان» تعاني من وضع اقتصادي متردٍّ، غير أنّ الاقتصاد الآن على شفا الانهيار، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر بشكل حاد، حيث يبلغ معدله الآن 72% ويُخشى أن يصبح كل الشعب فقيراً.
أما اجتماعيّاً، فلم يتغير شيء أيضاً، حيث واصلت الحركة وضع قيود صارمة على سلوكيات الناس، فيما تصرُّ على منع النساء من العمل، والأخطر هو أن الحركة تصرّ على حرمان البنات والفتيات من التعليم، وهو ما يهدّد جيلاً بأكمله.
*باحثة - رئيس قسم النشر- مركز تريندز للبحوث والاستشارات