الاقتصاد الأميركي لا يدعو للقلق
هل من الممكن أن تكون الأخبار الاقتصادية سارة بشكل مبالغ فيه قليلاً؟ وإذا بدا أن عدداً من المخاوف الاقتصادية تتضاءل، فهل هذا سبب للخوف؟ وبعد فترات من النجاح، هل من المقرر أن تدفع الاقتصادات الثمن لاحقاً، ربما حتى لأسباب نابعة من إنجازاتها السابقة؟ ما يثير هذه الأسئلة هو الاقتصاد الأميركي الحالي. والخبر السار واضح: تجاوز معدل النمو 2.4 بالمئة في الربع الأخير التوقعات، وانخفض التضخم إلى نطاق ثلاثة بالمئة، وتجاوزت مكاسب الأجور أخيراً ارتفاعات الأسعار، وانتعشت أسعار الأسهم، وانخفضت مقاييس التقلب، ومعنويات المستهلك تتحسن. ومن المؤكد أن الأمور ليست مثالية. فقد انخفض عدد الوظائف الشاغرة، وما زالت البنوك تعاني من مشاكل القروض التجارية المتعثرة، وما زال التضخم مرتفعاً بشدة، من بين مشكلات أخرى. ومع ذلك، وبالنظر بشكل خاص إلى ما يمكن أن يحدث بعد جائحة قتلت أكثر من مليون أميركي، فإن الاقتصاد الأميركي غير واقعي فيما يبدو، بالمعنى الجيد للمصطلح.
لكن السؤال ما زال قائماً: إلى أي مدى يجب أن نكون قلقين؟ هناك تقليد عام وشائع يشير إلى أن الانتعاش الاقتصادي نذير بأوقات عصيبة. وربما يكون للتعافي تاريخ انتهاء صلاحية ما، تماماً مثل الحليب الموجود في الثلاجة. وبعد فترة من الوقت، يحمض الحليب ببساطة، بغض النظر عما قد تحاول القيام به لإبقائه طازجاً. والنبأ السار هو أن المقولة القديمة بشأن الاقتصاد الكلي والتي مفادها أن «التوسعات لا تموت من الشيخوخة»، صحيح في الأساس. وتدعم معظم المؤلفات الأكاديمية هذا الاستنتاج. فهناك دائماً احتمال أن يتحول التوسع إلى ركود، كما هو الحال اليوم، لكن مجرد حقيقة التوسع يجب ألا تكون مدعاة للقلق. ففي عام 2010، كان الخبراء يتساءلون عن احتمال نفاد زخم الانتعاش الاقتصادي. وبدلاً من ذلك، استمر الانتعاش الاقتصادي حتى حلت جائحة كوفيد، وقبل كوفيد مباشرة، تسارع الاقتصاد. وفي عام 2021، شعرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالقلق من أن يتباطأ التعافي الأميركي من الجائحة. لكن اتضح أن هذا القلق لم يكن صائباً.
ومرة أخرى، الاستنتاج الصحيح ليس أن الركود مستحيل. بل إن احتمالات الركود تتقلص مع بداية الانتعاش. ومن المهم مقاومة إغراء التفكير في التوسعات الاقتصادية من منظور أخلاقي. والتوسع الاقتصادي ليس مثل حفلة مرح صاخبة تستمتع بها ثم تذهب السكرة وتأتي الفكرة ليتعين عليك دفع الثمن في اليوم التالي. فمعظم النمو الاقتصادي ليس مثل المنشط الاصطناعي. بل النمو حالة طبيعية للاقتصاد، بشرط أن تعمل المؤسسات الأساسية للبلد بشكل كاف (كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة). والنمو يأتي بمزيد من النمو غالباً. فهل هناك استثناءات لهذه المبادئ؟ تشير بعض الأبحاث إلى أن الطفرات الائتمانية السريعة، خاصة في أسواق الرهن العقاري، تميل إلى أن تتبعها عمليات هبوط مؤلمة، وهذا يساعد في تفسير الركود العظيم بين عامي 2008 و2009. لكن هذه الحقائق لا تنطبق على الظروف الحالية. وإذا كان هناك أي تعليق، فإن القلق هو أنه مع معدلات الرهن العقاري في حدود سبعة بالمئة، قد تصبح أسواق الإسكان الأميركية شديدة الضعف.
أحد الدروس هو أنه من المقبول التحلي بثقة أكبر بشأن التوسعات الاقتصادية. لكن هناك نقطة أكثر دقة أيضاً. فحين يتعلق الأمر بسياسة الاقتصاد الكلي، فإن «تصحيحها من المرة الأولى» مهم حقا. وبعد صدمة سلبية مثل كوفيد، إذا ظل الاقتصاد على المسار الصحيح بشكل أو بآخر (وإن صاحبته بعض الصعوبات)، قد تستمر الفوائد من حسن الصنيع هذا لسنوات. ويبقى أن نرى كيف تؤثر استمرارية التوسعات الاقتصادية على الاقتصادات خارج الولايات المتحدة. فاقتصادات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لم تحقق الدرجة نفسها من التعافي، ولم يحقق معظمها نجاحاً مشابها في تقليص التضخم. ولسوء الحظ، ومثلما قد تؤدي الأخبار الجيدة إلى مزيد من الأخبار الجيدة، فإن الصعوبات الاقتصادية تميل إلى خلق مزيد من الصعوبات. ويؤدي التضخم المرتفع إلى تآكل الدخل الحقيقي وتفاقم صعوبة حسابات الأعمال الاقتصادية، في حين أن النمو البطيء يعني أن هذه الاقتصادات لديها موارد حقيقية أقل لمعالجة المشكلات الحاسمة. ومع وضع كل هذه العوامل معاً، فمن المرجح أن تتفاقم الفجوة الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول كثيرة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد يبدو من التافه القول أنه لا يوجد شيء أفضل من الأخبار الجيدة. لكن ما زال لا يجري تقدير الحكمة من هذا القول حق قدرها.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»