تداعيات ما بعد انقلاب النيجر
يمكن للمرء التفكير في الكارثة التي وقعت في النيجر من خلال أربع طرق، من محرجة إلى مهدِّدة، وكارثية، ومنذرة بالسوء للعالم.
فهي محرجة، لأن الانقلاب الذي حدث في 26 يوليو كان بمثابة رد فعل سلبي لغرب لا يفهم: ذلك أن فرنسا، ولا القوة العظمى الآخذة في الأفول، الولايات المتحدة، كانت تتوقع ذلك. ومهدِّدة، لأنها تمثّل مكسباً غير متوقع لروسيا والصين، في وقت تتنافسان فيه مع الغرب على النفوذ في المنطقة والعالم. وقد تكون كارثية، لأنها تمثّل انتكاسة في الكفاح ضد الإرهاب والهجرة غير النظامية. وربما تكون منذرة بنهاية العالم في حال شهدت انزلاقاً إلى حرب عالمية.
وكل هذا لأن جنرالاً سمع أنه قد يتعرض للطرد، فقرر بدلاً من ذلك التحرك بشكل استباقي وعزل القائد الذي كان من المفترض أن يحميه. هذا - وليس الإيديولوجيا، أو الجغرافيا السياسية، أو أزمة الغذاء العالمية، أو أي شيء ذي بال، وإنما مشكلة تعيينات - هو السبب المباشر لانقلاب النيجر، الخامس منذ استقلالها عن فرنسا في 1960.
وهو ما يرفع إلى ستة عدد الانقلابات التي شهدتها المنطقة منذ 2020، بما في ذلك اثنان في كل من مالي وبوركينا فاسو، وانقلابان آخران في غينيا والسودان. الفوضى تسود الآن من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر. وإذا كان هناك جحيم في الأرض، فإنه منطقة الساحل، الواقعة جنوب الصحراء.
ولئن كان لنا في الانقلابين اللذين حدثا في بوركينا فاسو ومالي دليل، فإليك ما سيحدث في المرحلة التالية. سيقوم المجلس العسكري في النيجر بطرد القوات الفرنسية والأميركية المتمركزة هناك، وسيلقي بنفسه في أحضان روسيا.
منطقة الساحل أصبحت بؤرة الإرهاب العالمية، إذ انتقلت مجموعات مثل «بوكو حرام» والفروع المحلية لـ«داعش» لملء فراغات السلطة التي خلّفتها الانقلابات، والانتفاضات، وأعمال السرقة والنهب، ومرتزقة فاغنر. ولمحاربة الإرهابيين، عمدت دول غربية، ولا سيما فرنسا والولايات المتحدة، إلى نشر قوات في الأماكن القليلة التي ما تزال متعاونة معها. وقد كانت النيجر من أهمها، إذ تضم قاعدة أميركية للطائرات من دون طيار. ومن دون وجود غربي، لن يكون هناك شيء لإيقاف الإرهابيين.
هذا المشهد سيتسبب في مزيد من المعاناة وفي هجرات أكبر شمالاً نحو الاتحاد الأوروبي.
ماذا عسى بقية العالم أن تفعل إزاء هذا الوضع؟ الحق أنه من الصعب الجواب. بالطبع، الاتحاد الأفريقي والغرب أدانا الانقلاب. والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا («إيكواس»)، وهي كتلة إقليمية تقودها نيجيريا، أوقفت التجارة مع النيجر مثلما أوقفت صادرات الكهرباء النيجيرية إليها.
لا بل إن «إيكواس» ذهبت إلى حد تحديد مهلة للمجلس العسكري في النيجر لإعادة الرئيس المعزول محمد بازوم إلى السلطة أو مواجهة تدخل عسكري. وهو ما رد عليه النظامان المواليان لروسيا في بوركينا فاسو ومالي بالقول إنهما سيهبّان حينها لمساعدة القادة الجدد في النيجر. ومع وجود الروس في الصف الثاني على جانب والأميركيين على الجانب الآخر، سنصبح في حرب أخرى بالوكالة، وخطوة أخرى في اتجاه حرب عالمية ثالثة.
في الوقت الراهن، يبدو أن نيجيريا ودول «إيكواس» الأخرى قد وجدت أن الخطر كبير للغاية - فتركوا المهلة التي حدّدوها تمر يوم الأحد دون إرسال قوات. كما أنه من غير المرجح أن تحمل الولايات المتحدة وفرنسا السلاح للدفاع عن بازوم، لأنهما تخشيان أن تصبح النيجر هي العراق أو أفغانستان المقبلة، أو ما هو أسوأ من ذلك، وأن ينتهي بهما الأمر إلى إطلاق النار على الروس وبالتالي إشعال حريق عالمي.
وكما أسلفتُ، نتيجة سلبية وغير مقصودة. ذلك أن الولايات المتحدة وحلفاءها أهملوا المنطقة دبلوماسياً لسنوات. فمؤخراً، لم يكن لواشنطن حتى سفير في النيجر أو نيجيريا، ولم يتم تثبيت سفير جديد في النيجر إلا في اليوم التالي للانقلاب فقط.
مرة أخرى، يجب أن تنحى الخلافات والانقسامات السياسية جانباً في سبيل الوحدة والقوة الوطنية. وكما تعتقد بعض القوى الدولية الكبرى، فإننا أصلاً في الحرب العالمية القادمة، حتى وإنْ لم يعلنها أحد بعد أو يبدأ في إطلاق النار بشكل مباشر على الجانب الآخر. وخلاصة القول: يجب على الولايات المتحدة وأوروبا والغرب بشكل عام دعم أفريقيا - بل الجنوب العالمي بأكمله - ليس الآن فقط، وإنما من الآن فصاعداً.
*كاتب ومحلل سياسي ألماني
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»