اتفاقية الحبوب وأزمة الغذاء
عدم تجديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية هو السلاح الجديد في ساحة الحرب الأوكرانية، وهو ما تسبب في أزمة عالمية. إعلان عدم تجديد الاتفاق يأتي في محاولة من موسكو لكسب معركتها ضد الغرب.
أصداء الموقف الروسي جاءت سريعة ومحذرة من حدوث نقص حاد في الغذاء، وهو ما حرك مجلس الأمن نحو عقد جلسة عاجلة نهاية الأسبوع الماضي لمناقشة تداعيات القرار وانعكاساته الخطيرة على الاستقرار الدولي وعلى الأمن الغذائي العالمي.
أهمية الاتفاق تعود إلى موقع أوكرانيا في السوق العالمي، فهي واحدة من أكبر مصدري الحبوب التي يعتمد عليها 400 مليون شخص حسب برنامج الغذاء العالمي. صحيح أن أسعار المواد الغذائية شهدت حتى قبل اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية ارتفاعاً كبيراً جراء تداعيات جائحة كورونا وأزمة سلاسل التوريد، بيد أن تلك الحرب فاقمت الأزمة، خصوصاً وأن تعطل الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود عرّض ملايين أطنان الحبوب المكدسة في الصوامع الأوكرانية لخطر التعفن.
الاتفاق الذي كان قائماً بين البلدين كان قد هدّأ من مخاوف سوق الغذاء العالمي وحافظ على استقرار أسعار المواد الغذائية عند حدود معقولة، وهو ما أكدته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو). فقد أسهم الاتفاق بانخفاض 11.6% من أسعار الغذاء العالمية منذ يوليو 2022، وكان بمثابة طوق نجاة للعديد من الدول بعد نجاح تصدير أكثر من 30 مليون طن من الحبوب ومنتجات غذائية أخرى منذ توقيعه وحتى الشهر الماضي. ولا شك أن الدول الفقيرة في أفريقيا والشرق الأوسط كانت هي المستفيد الأكبر من الاتفاق بعد شحن حوالي 64% من القمح إليها.
تفاعلات الأزمة تتصاعد لكون طرفاها يمثلان جزءاً مهماً من سلة الغذاء العالمية. فأوكرانيا وروسيا هما من أكبر خمس دول مصدرة للحبوب في العالم. وحسب تقارير رسمية فقد أصبح الأمن الغذائي العالمي على المحك بعد قرار موسكو، خصوصاً إذا ما علمنا أن قيمة التجارة الزراعية العالمية مع هذين البلدين تبلغ نحو 1.8 تريليون دولار.
التقرير الذي أعدته (أونكتاد) يشير إلى أن روسيا وأوكرانيا تشكلان معاً 53% من حجم التجارة العالمية بما يتعلق بزيت دوار الشمس والبذور، و27% من التجارة العالمية في القمح. أما أوكرانيا وحدها، فهي رابع أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، وقد صدرت وحدها 17% من الذرة والشعير عام 2020، ووصل حوالي 40% منها إلى دول عربية.
وفق مسؤولي الأمم المتحدة، ستظهر الآثار المباشرة لعدم الاتفاق على التجديد في عدة دول في مقدمتها مصر وتركيا وبنجلاديش وإيران التي تشتري أكثر من 60% من احتياجاتها من القمح من البلدين، إلى جانب العواقب التي ستعانيها تونس واليمن وباكستان، والتي تعتمد بشكل كبير على قمح هذين البلدين.
وحتى لبنان لن ينجو من أزمة الحبوب تلك، فهو يستورد حوالي 80% من احتياجاته من قمح أوكرانيا، و15% كذلك من احتياجاته من قمح روسيا، وذات الوضع ينطبق على ليبيا التي تستورد من احتياجاتها من قمح أوكرانيا أكثر من 40%.
على ضوء هذه الأرقام يدقّ صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر محذراً من وقوع مجاعة عالمية، لن تبدأ وتنتهي حدودها عند أوروبا، إنما ستمتد إلى قارتي أفريقيا وآسيا، وتحديداً البلدان الفقيرة. إن إيجاد حل سريع وفوري لتلك الأزمة يحمي العالم من كارثة حقيقية تتمثل بنقص حاد في الغذاء، لكنها لن تنتهي عند ذلك إنْ لم تتراجع موسكو عن قرارها.