العمل المناخي.. وسجالات التحول الأخضر
اعتاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على إصدار تصريحات مروعة حول تغير المناخ. لكن من المستحيل تجاهل تحذيره الأخير، حيث أكد العلماء أن شهر يوليو سيصبح أكثر الشهور سخونة على الأرض. وقد أعلن جوتيريش في إفادة صحفية بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، يوم الخميس الماضي، أن «عصر الاحتباس الحراري قد انتهى. وأن عصر الغليان العالمي قد بدأ».
في جميع أنحاء العالم، رأينا الآثار الصارخة لما يرقى إلى حالة الطوارئ الكوكبية المستمرة، حيث اجتاحت موجات الحر الأخيرة أميركا الشمالية وأوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. وتسببت في حرائق الغابات على جانبي البحر الأبيض المتوسط، والحرائق التي اشتعلت في ملايين الهكتارات من الأراضي في كندا. كما غمرت الرياح الموسمية القياسية أجزاء من شمال الهند.
وقد أثار ارتفاع درجات حرارة المحيطات حيرة وقلق العلماء، بينما أشارت إحدى الدراسات الحديثة إلى أن الاحتباس الحراري يتسبب في انهيار نظام دوران رئيسي في المحيط الأطلسي. وفي الوقت نفسه، في فصل الشتاء في نصف الكرة الجنوبي، تتجمد مساحات أقل من بحر أنتاركتيكا.
وقال جوتيريس في المؤتمر الصحفي: «إن تغير المناخ هنا. إنه أمر مرعب. إنها مجرد البداية»، مشيراً إلى «الأطفال الذين جرفتهم الأمطار الموسمية، والعائلات التي هربت من ألسنة اللهب والعمال الذين ينهارون في الحرارة الحارقة».
وجدت دراسة نشرها الأسبوع الماضي تحالف من العلماء أن موجات الحرارة الشديدة في الأشهر الأخيرة كانت ستصبح «مستحيلة فعلياً» من دون آثار تغير المناخ التي يتسبب فيها الإنسان. وأخبر فريدريك أوتو، الرئيس المشارك لمجموعة الباحثين وعالم المناخ في إمبريال كوليدج لندن، زملائي أن النتائج التي توصلوا إليها لا ينبغي أن تكون مفاجأة، وأننا لن نعرف كيف سيبدو «الوضع الطبيعي الجديد» للحياة في عصر تغير المناخ حتى يتوقف العالم فعلياً عن حرق الوقود الأحفوري.
وقال أوتو: «قد يكون هذا العام بارداً في الصيف القادم. نحن بحاجة إلى التعود على هذا، وما هو أسوأ». على الرغم من الأدلة العميقة على تغير الكوكب، وجميع توسلات مسؤولي الأمم المتحدة وعلماء المناخ، لا يوجد إجماع سياسي على ما يجب أن يحدث بعد ذلك. وضعت الحكومات في جميع أنحاء العالم خططاً والتزامات لخفض الانبعاثات بشكل كبير وإزالة الكربون من اقتصاداتها. لكن التدابير اللازمة لدرء ارتفاع درجة حرارة الكواكب إلى ما بعد الحد الذي يعتبره الإجماع العلمي كارثياً على الكوكب لا تزال تثبت أنها صعبة التنفيذ. من ناحية أخرى، فإن الأحزاب اليمينية في جميع أنحاء الغرب تستغل القلق العام بشأن السياسات الخضراء.
في الأسبوع الماضي، مع اندلاع حرائق الغابات في جزيرة صقلية الإيطالية، وصفت رئيسة الوزراء، جيورجيا ميلوني، الظروف التي أثارها الطقس القاسي بأنها «اختبار» لقدرة بلدها ومرونتها. ولكن قبل فترة ليست بالطويلة، ظهرت ميلوني في تجمع انتخابي في إسبانيا لصالح حزب فوكس اليميني المتطرف، وهو حليف متشابه في التفكير، حيث دعت «الوطنيين» في القارة إلى مقاومة «التعصب المتعلق بتغير المناخ» الذي يمارسه المعارضون اليساريون والليبراليون.
تشتهر قيادة حزب «فوكس» بإنكارها لعلوم المناخ، وقد حقق الحزب نتائج مخيبة للآمال في الانتخابات هذا الشهر. لكن الحزب استفاد سابقاً من استطلاعات الرأي المحلية حول استياء المزارعين من سياسات الحفاظ على المياه ووصف قانون تغير المناخ في البلاد لعام 2021 بأنه «قانون العودة إلى الكهوف والفقر».
في إيطاليا، حيث يسيطر فصيل «ميلوني» على تحالف يميني، تنتشر أصوات مماثلة. اشتكى «جويدو كروسيتو»، وزير الدفاع في البلاد، في مقابلة أجريت معه مؤخراً من أن صناع السياسة في أوروبا الذين يركزون على المناخ يحدثون خطراً أمنياً على القارة. وتساءل كروسيتو: «بمجرد أن نقوم بتدمير ربع الصناعة الأوروبية لمنحها للصين، كيف سيكون رد فعل الناس في رأيك؟» وأردف: «كرد فعل، سيكره الجميع أي نية بيئية جيدة، ويربطون المعارك على المناخ بخسارة فرص العمل».
الاتحاد الأوروبي فعل أكثر من أي نظام حكم آخر لتحويل مجتمعاته نحو استخدام الطاقة المتجددة. لكن المرحلة الانتقالية برزت في العديد من المناقشات السياسية الشائكة. وتوجه حكومات في دول مثل بولندا والمجر انتقادات للاتحاد الأوروبي بسبب القيود التي يفرضها على استخدام الفحم. قد يشكل غضب المزارعين الهولنديين بشأن التفويضات الجديدة لانبعاثات النيتروجين شكل الحملة الانتخابية المقبلة في هولندا.
على عكس الولايات المتحدة، حيث لا يزال جزء كبير من القاعدة «الجمهورية» يرفض الحقائق الأساسية المتعلقة بتغير المناخ، فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا توضح موقفها الواقعي. وكتبت ناتالي توتشي، مستشارة السياسة الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي: «في حين أنهم لم يعودوا ينكرون أزمة المناخ علناً، إلا أنهم ينددون بعدم المساواة والأضرار التي لحقت بالصناعة والتي يقولون إنها تتفاقم بسبب سياسات المناخ».
وأوضحت أن هذه الانتقادات للانتقال للأخضر لها آثار ملموسة وقد تبطئ جهود إزالة الكربون في القارة. واستشعاراً للتيارات السياسية المعاكسة، دعا قادة الوسط التكنوقراطي مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو في مايو إلى وقف تنفيذ المعايير البيئية للاتحاد الأوروبي.
وجادل هنري أولسن، كاتب عمود يميني في صحيفة واشنطن بوست، بأن السياسة «الأكثر عقلانية» ستركز على الابتكار التكنولوجي وتعويض تكاليف انتقال الطاقة، بدلاً من إزالة الكربون بسرعة. وكتب الأسبوع الماضي: «هذا يعني حتماً الحديث عن تغير المناخ كمشكلة يجب إدارتها أكثر من كونها أزمة تتطلب إعادة هيكلة كاملة للاقتصاد».
إيشان ثارور
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»