ما هي الكمية المستهلكة من «الكوكاكولا دايت» التي يمكن وصفها بأنها تشكل كمية كبيرة جداً من «الكوكاكولا دايت»؟ وإذا كنت تبيع كمية كبيرة جداً منها، فهل يجب خفض تصنيفك بخصوص مسؤوليتك في ما يتعلق ب«البيئة والمجتمع والحوكمة» أو فرض نوع من التعويض أو المقايضة الصحية؟ ربما شيء من قبيل ائتمان تغذية يتم شراؤه من نظام الصحة الوطنية في المملكة المتحدة، أو مجموعة تثقيف حول صحة الأمعاء؟ الأمر ليس سخيفا كما يبدو، وخاصة إن كنتَ شركة كبيرة تسعى للحصول على تصنيف أعلى بخصوص مسؤوليتك تجاه «البيئة والمجتمع والحوكمة».
هذه الأيام يمكنك التخفيف من كل أنواع المشاكل والعلل التي تسبّبها للمجتمع عبر تخصيص جزء من أرباحك للحصول على نقاط تبعث على الشعور بالارتياح. فإذا كانت شركات الطيران يمكنها شراء ائتمانات الكربون، وشركات البناء يمكنها استخدام ائتمانات التنوع البيولوجي للتعويض عن الأضرار التي تلحق بالمناطق الغابوية والأراضي الرطبة، فلماذا لا يتم اعتماد ائتمانات غذائية أيضا؟
فالضرر الذي تتسبب فيه الأغذية فائقة المعالجة -- وبالتالي أولئك الذين ينتجونها – لصحة العالم أصبح واضحا على نحو متزايد. وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية صدور عدد من الكتب حول هذا الموضوع. ومعظم خبراء التغذية والأطباء متفقون على أن الأغذية فائقة المعالجة ليست سيئة قليلا لك، بل فظيعة. ذلك أنها تعبث برأسك، وتدفعك للإفراط في تناول الطعام وتسبب لك السمنة، كما أنها تساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والسكري وأمراض القلب والسكتات الدماغية -- إلى الوفاة المبكرة.
لقد بدأنا نتناول مواد «لا يمكننا حتى أن نسمّيها طعاما»، يقول الكاتب المتخصص في الموضوع كريس فان تولكن. «مثل المستحلبات، والمُحليات منخفضة السعرات الحرارية، والمواد الإضافية المثبِّتة، والمواد المحافظة على الرطوبة، ومركبات النكهة، والأصباغ، ومثبتات اللون، ومواد الكربنة، والتصلب، والتكتل -- والمواد المضادة للتكتل». وقد تعتقد أن هذه مسألة تخص الحكومة، غير أنه في المملكة المتحدة، بات مرض السكري وحده الآن يستحوذ على 10% من إجمالي ميزانية نظام الصحة العامة.
ولكنك إذا كنت مهتما بالاستثمار في المجالات المتعلقة بالبيئة والمجتمع والحوكمة، فإنك قد تعتقد أيضاً أن أزمة صحية شاملة، تتسبب فيها جزئياً الشركات التي تحتل المراتب الأولى في كل المحافظ العالمية تقريباً، ستكون أيضاً مسألة تخص فرق الاستدامة الضخمة التي بات يستعين بها الآن كل مديري الصناديق، ولاسيما بالنظر إلى المخاطر التنظيمية المحتملة. لكن الأمر ليس كذلك. فهناك تركيز كبير على الجانب البيئي في ما يتعلق بشركات الأغذية: انبعاثات الكربون، والتنوع البيولوجي، والتلوث، وبالطبع سلامة سلاسل التوريد. كما أن هناك مواضيع مختلفة تندرج ضمن المسؤولية تجاه المجتمع – من قبيل الصحة والسلامة والتنوع والإدماج وما إلى ذلك.
ولكن الغذاء المستدام لا يتعلق فقط بالمكان الذي ينمو فيه وبمن يزرعه، وإنما يتعلق أيضا بما يفعله المنتَج النهائي بالمستهلك. ولكنك ستجد صعوبة كبيرة في إيجاد مقياس يستخدم على نحو شائع في أي مكان لقياس إنتاج نوع الطعام الذي يؤدي إلى تدهور الصحة، وخلق ضغط على الخدمات الصحية، وخفض إمكانات الإنتاجية لدى الدول. وهذا عنصر مهم جدا بخصوص «المجتمع».
والواقع أن هناك بعض التلميحات إلى أن القطاع المالي أخذ يفهم الوضع. فقد اشتكى بعض مديري الصناديق البريطانيين من عدم قيام الحكومة بإنشاء جداول تصنيف للشركات التي تنتج أكبر قدر من الأغذية ذات المكونات الأكثر قبحا. كما انتقدت منظمة «شير آكشن» الناشطة شركات مثل «يونيلفر» عبر برنامجها «مستثمرون في صحة الناس». وفي قمة «التغذية من أجل النمو» في طوكيو 2021، طلبت مجموعة من المستثمرين أن تقوم شركات الأغذية والمشروبات بإنشاء نظام لوصف العناصر الغذائية من أجل تحديد ما هو صحي وما هو غير صحي.
ولكن حتى الآن، يظل كل هذا مجرد كلام من دون أي أفعال عموما. ولا شك أنه ينبغي على مستثمري «البيئة والمجتمع والحوكمة» استيفاء كل الشروط، غير أنه لا يوجد إجماع حتى الآن حول ماهية هذه الشروط والمتطلبات. ثم إن أولئك الذين يحاولون القياس لا يفعلون ما نريده تماما. وعلى سبيل المثال، فإن «المؤشر العام لمبادرة الوصول إلى التغذية» يقوم بتقييم وتصنيف أفضل 25 مصنع حول العالم، غير أن 35% من النتيجة فقط تأتي من المنتجات نفسها (بينما يأتي الباقي من الحوكمة، والتسمية، والتسويق، إلخ.). وتتصدر الترتيب شركة «نستله»، على الرغم من تقرير صدر في 2021 ويفيد بأن أكثر من 60% من منتجاتها لا يتوافق مع «تعريف معترف به للصحة». وقد تكون لدى المستهلكين الذين يعانون من الدهون والملل أفكار حول كيفية القيام بذلك بشكل أفضل. وفي هذا الإطار، يمكن أن نقول، مثلا، إن تسجيل نسبة معيّنة من مبيعات منتجات تحتوي على أكثر من أربعة مكونات، أو مدة صلاحية تفوق شهرا، أو تعبئة تُحدث تأثيرا سلبيا على توازن الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء... يجب أن يمثّل نقطة سيئة وسلبية. وفي 2022، حصلت شركة «نستله» على تصنيف «أ أ» من مؤسسة «إم إس سي آي. إي سي جي. ريسورتش». والحال أنه لو كان ما تفعله منتجاتها بالناس وليس بالبيئة فقط مهما جدا بالنسبة لشركة «إم إس سي آي»، فإنها ما كانت لتحصل على «أ».
المستهلكون يهتمون بهذه الأشياء. والشاهد أن عمليات البحث عن «هل مادة الأسبارتام موجودة في كوكاكولا زيرو؟» ازدادت بنسبة 4900% في أعقاب تقرير منظمة الصحة العالمية الذي يفيد بأن مادة التحلية الاصطناعية مسرطنة. كما أن عددا متزايدا من مديري الصناديق يشددون على أنهم يعيرون هذه الأشياء اهتماما أيضا. ولذلك فقد حان الأوان للتفكير في كل هذا الأمر بشكل صحيح، وللدفع في اتجاه الإفصاح الإلزامي الموحد من شركات الأغذية. فلا شك أنه من الجيد تكريس الوقت والجهد لإنقاذ الكوكب. غير أنه إذا كانت الشركات التي تستثمر في هذا القطاع مسؤولة أيضاً عن تدهور صحة سكان العالم على المدى الطويل، فمن أجل من ستُنقذه بالضبط؟
مرين سومرست ويب
كاتبة بريطانية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»