الترنح على حافة الهاوية المناخية
بين الفيضانات الهائلة هذا الصيف، والحرائق المروعة والقباب الحرارية التي تهدد الحياة، بدأ الناس يتساءلون عما إذا كنا نترنح قريبا من حافة نقطة تحول مناخية. ويقول علماء المناخ وعلماء البيئة الذين يدرسون النقاط الحرجة إن ما نراه هو مجرد أحداث متطرفة يفاقمها الاحتباس الحراري. لكنهم يحذرون من مخاطر نقاط التحول المناخية لسنوات. والآن ينصت الناس.
وتشير الأبحاث التي نُشرت العام الماضي في مجلة «ساينس» إلى أن خطر حدوث نقطة تحول عالمية تؤدي إلى تسارع ارتفاع حرارة الكوكب يبدأ في أن يصبح كبيراً بمجرد ارتفاع متوسط درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعة. ومن المحتمل أن يحدث هذا في الثلاثينيات. وفي الاستخدام الشائع، تشير نقاط التحول إلى أي شيء يتغير فجأة.
وفي العلم، تشير عادة إلى ظاهرة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث يحدث تغيير طفيف في المدخلات فرقاً كبيراً في النتيجة. وحين يتحدث علماء المناخ عن نقاط التحول، فإنهم ينظرون إلى تحول في حلقات التغذية الراجعة؛ أي تعطل حلقات التغذية الراجعة المستقرة وبدء حلقات جديدة تزيد من حدة التغيير. ويشير الفيزيائيون إلى هذا باعتباره حلقة تغذية مرتدة إيجابية، لكن من وجهة نظرنا لن يكون هذا مفيدا.
ووثق العلماء العشرات من نقاط التحول المناخية الإقليمية والمحلية. ومنذ فترة طويلة، شهدت الأرض نقاط تحول على مستوى الكوكب مع تحول المناخ من دفيئة خالية من الجليد إلى كرة ثلجية والعودة مرة أخرى.
وبالنظر إلى بعض هذا التاريخ الطويل لكتابة عمود عن يوم الأرض قبل بضع سنوات، تحدثت إلى علماء تعجبوا من أن الأرض ظلت صالحة للسكنى طوال وجودها تقريبا؛ ما يقرب من أربعة مليارات سنة؛ بفضل ثبات حلقات التغذية الراجعة. لكن بالنسبة لمعظم ذلك التاريخ، لم تكن هناك حياة معقدة، بل كان هناك فقط البكتيريا.
وقد أدت التحولات المفاجئة في حلقات التغذية المرتدة المناخية إلى اضطراب الكوكب. وبعد ظهور الحياة المعقدة، أدى بعضها إلى الموت الجماعي والانقراض. وهناك سبب آخر للقلق اليوم. فمعدل التغيير الذي نفرضه على الكوكب «غير عادي من الناحية الجيولوجية»، كما أخبرني عالم الكواكب آندي نول حينها. وأكثر ما يقلق العلماء الآن هو التغيرات الإقليمية التي تنقلب إلى كوارث عالمية.
ويشير تيموثي لينتون، رئيس قسم تغير المناخ وعلوم نظام الأرض في جامعة إكستر، إلى «عناصر الانقلاب»، أي أنظمة الأنهار الجليدية والغابات والشعاب المرجانية التي قد يؤدي انهيارها إلى حدوث شكل من أشكال الاحتباس الحراري الذي يغذى نفسه. وحدد هو وزملاؤه لأول مرة عددا من هذه الأمور في دراسة أجريت عام 2008. لكنه قال إن هذه الأمور تثير اهتماما أكبر بكثير الآن. كما قاد مراجعة أحدث للدراسات التي تسلط الضوء على عناصر الانقلاب التي تشكل التهديد الأكثر إلحاحاً؛ تدمير الصفائح الجليدية في غرب أنتاركتيكا وجرينلاند، وذوبان التربة الصقيعية وتدمير الشعاب المرجانية في العالم. وقال إن الأحداث المتطرفة التي تصدرت الأخبار هذا الصيف قد تمثل علامة تحذير مبكرة يسميها الترجرج وهي زيارة قصيرة إلى الجانب الآخر من نقطة التحول.
ويرى أن «بوسع نظام معقد في بعض الأحيان أن يبدأ في أخذ عينات من نظام أو حالة مختلفة قبل أن يأخذ تحولا أكثر ديمومة إلى تلك الحالة. ويحدوني أمل ألا يكون الأمر كذلك». ويعتقد سايمون ويلكوك، الباحث في تخصصات مختلفة في «روثامستيد ريسيرش» بالمملكة المتحدة، إن ظاهرة نقطة التحول أدت إلى انهيار البيئات المحلية من قبل.
ومن الأمثلة الجيدة على ذلك الصحراء الكبرى التي انتقلت من الخصبة إلى الجافة في دورات، وآخر هذه الدورات ربما ساعد عليها البشر. وفي ورقة بحثية نُشرت الشهر الماضي في دورية «نيتشر سوستينآبيلتي» الأكاديمية، ابتكر هو وزملاؤه نماذج معقدة لانهيار النظام البيئي، مستخدمين مثالين حيث حدثت نقاط تحول في التاريخ الحديث نسبياً؛ وهما بحيرة تشيليكا في الهند التي انهارت فيها تجمعات الأسماك، وجزيرة إيستر التي أدت إزالة الغابات وغيرها من الضغوط البيئية إلى انقراض السكان المحليين.
وقال إن ما وجده هو أن نقاط التحول البيئية قد تحدث بشكل أسرع بكثير مما أظهرت النماذج السابقة، بمجرد أن تأخذ في الاعتبار الضغوط المتعددة، وليس فقط التغيرات في درجات الحرارة، لكن عوامل مثل الرعي الجائر وإزالة الغابات وإفراط الإنتاج الزراعي والصيد الجائر. كما أن التقلبات الطبيعية، مثل الضوضاء، تفاقم احتمالات نقاط التحول. ويشعر «ويلكوك» بالقلق من أن الإفراط في قطع غابات الأمازون قد يؤدي إلى جفاف الأشياء لدرجة تشعل حريقاً هائلاً.
وهذا من شأنه أن يجعل المنطقة أكثر جفافاً، ويدمر مزيداً من الأشجار، ويؤجج مزيداً من الحرائق ويبث كميات من الكربون في الغلاف الجوي، مما يجعل المناخ أكثر دفئاً وجفافاً، ويعجل بفقدان الغابات في حلقة مفرغة. وحضارتنا رقيقة وتعتمد مراكزنا السكانية الكثيفة على الزراعة والكثير من المياه النظيفة.
وعلى الرغم من أن البشرية نجت من تحولات العصور الجليدية إلى عصور دافئة تتخللها فترات جليدية، فقد تمتع جنسنا البشري بفترة ثبات استثنائية على مدار الاثني عشر ألف عام الماضية، وهي النقطة التي استقررنا فيها وبدأنا الزراعة. ويمكن لنقطة تحول في المناخ أن تجعل الحياة أكثر صعوبة على جنسنا البشري. ولسنا على حافة الجرف بعد، لكننا نترنح بشكل خطير بالقرب منه. صحفية متخصصة في الكتابة العلمية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بويت لايسنج آند سينديكيشن»