كوارث المناخ.. وضعف الجاهزية
تخيل أنك تحاول بناء قارب، بينما هو بالفعل في البحر والماء يتسرب إليه، وتهرع من تسرب إلى تسرب، ويتملكك إحساس غامض بأن العاصفة قادمة، لكن دون أدنى فكرة عن حجمها أو المدة التي ستستغرقها. فهذا يصف بشكل أو بآخر كيف تقترب الولايات المتحدة من خطر الفيضانات المتزايد نتيجة تعرض البلاد لنوبات متزايدة التواتر من الأمطار الغزيرة والكارثية.
وتضيع الأرواح ويصيب الممتلكات الدمار، وهذا يرجع جزئياً لأننا نتحرك ببطء شديد لتبني حلول ناجعة لتعزيز بنيتنا التحتية ضد الكوارث المتزايدة. وفي الأسبوع الماضي في ولاية فيرمونت ووادي هدسون في نيويورك، هطلت الأمطار على مدار أشهر في غضون ساعات، مما أدى إلى غمر البنية التحتية القديمة لإدارة المياه، جراء فيضانات واسعة النطاق أودت بحياة واحدة على الأقل ودمرت الطرق والجسور والمنازل وغيرها. وقد عانت كلتا المنطقتين من فيضانات شديدة من قبل، واتخذتا خطوات متواضعة لتجنبه.
وتبين أن هذه الجهود غير كافية بالمرة. وحين يفكر معظمنا في مخاطر الفيضانات التي يشكلها تغير المناخ، فإننا نتخيل عادة الأعاصير وارتفاع المحيطات. لكن الكوكب الأكثر دفئاً يعني أيضاً مزيداً من الرطوبة في الهواء بعيداً عن السواحل.
وفقاً للديناميكا الحرارية، لكل درجة مئوية واحدة يسخن الغلاف الجوي، فهو يحتوي على سبعة بالمئة أكثر من بخار الماء. لقد ارتفعت درجة حرارة الكوكب بالفعل 1.2 درجة مئوية فوق متوسطات ما قبل الصناعة، ونحن في طريقنا لإضافة درجتين إضافيتين على الأقل. وغالباً ما يتم التخلص من هذه الرطوبة الزائدة من الجو في هطول أمطار غزيرة. وتغير المناخ مسؤول مباشرة عن 75 مليار دولار من أضرار الفيضانات في الولايات المتحدة بين عامي 1988 و2017، وفقاً لدراسة أجريت عام 2021. وهذا الرقم أعلى بالتأكيد الآن وقد يرتفع بشكل كبير في المستقبل القريب. ولم يوات الحظ فيرمونت لتحمل وطأة هذا التأثير في الآونة الأخيرة.
وغالباً ما يُشار إلى الولاية كملاذ محتمل من تغير المناخ، على حد ما أشار إليه المؤلف جوناثان مينجل في صحيفة نيويورك تايمز. وكتبت سابقاً إننا ما زلنا نتعلم بصعوبة أنه لا توجد ملاجئ مناخية. فقد يكون المرء على بعد مئات الأميال من حريق غابات وما زال يشعر بالاختناق من الدخان. وحين تتزايد بشدة السحب الممطرة، فلن تضطر حتى للعيش بالقرب من نهر لتعاني من الفيضانات.
فالفيضانات «الموضعية»، أي تساقط كمية كبيرة من المياه في وقت واحد بحيث لا تستطيع أنظمة الصرف ابتلاعها، أصبحت مشكلة كبيرة. ولذا يجب أن يكون كل جزء من البلاد مستعداً للفيضانات. ولسوء الحظ، تم تصميم معظم بنيتنا التحتية لتتكيف مع توقعات عفا عليها الزمن بشدة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. وتتنبأ نماذج الإدارة بهطول الأمطار باستخدام بيانات من عقود في الماضي حين كانت تأثيرات تغير المناخ ضئيلة.
ومن ثم فإن فكرة الإدارة عن حدوث فيضان مرة كل قرن تحدث الآن بشكل أكثر تكراراً، وفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة فيرست ستريت فاونديشن، وهي شركة أبحاث خاصة. وتحاول الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي تحديث تنبؤاتها بالمطر، لكنها لا تتوقع إنهاء هذه المهمة قبل عام 2027.
وليس لدينا رفاهية الوقت تلك. ومليارات الدولارات يتم إنفاقها بالفعل على مشروعات البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، وذلك بفضل قانون البنية التحتية والوظائف للعام الماضي، ويستند معظم التخطيط إلى توقعات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي التي عفا عليها الزمن. وتشير تقديرات فيرست ستريت إلى أن نحو 13 مليون أسرة تعيش الآن في مناطق فيضانات غير معترف بها وتفتقر إلى التأمين ضدها.
ويحتاج كل جزء من البلاد معرض لخطر الفيضانات النهرية والمحلية إلى ترقيات عاجلة ومحورية لثلاثة دفاعات رئيسية على الأقل، وفقا لأليسون برانكو، مديرة التكيف مع المناخ في منظمة نيتشر كونسيرفانسي في نيويورك. فأولاً، الأنابيب التي تصرف المياه تحت الطرق والجسور صغيرة جداً وقديمة جداً بحيث لا تستوعب التعامل مع الفيضانات الحديثة الناجمة عن تغير المناخ.
وثانياً، فيما يتعلق بالأراضي الرطبة والسهول الفيضية، فإن هذه الإسفنج الطبيعي على طول ضفاف الأنهار وفي المناطق المنخفضة تبقي مياه الفيضانات بعيدة عن الأماكن التي يسافر الناس إليها ويتجمعون فيها. ولقد طورنا الكثير منها ورصفناه فوقها، ولم نوفر للمياه أي مكان تذهب إليه.
وثالثاً يجب استبدال كل شيء من مصارف الشوارع إلى محطات ضخ مياه الصرف الصحي قبل أن تأتي العواصف. ويجب إعادة تصميم الجسور لتقليص ما تحمله المياه من ركام حتى يسمح للمياه بالتدفق بسلاسة. وهذا ليس قليلة الكلفة. فقد تعهدت حاكمة نيويورك «كاثي هوشول» في الآونة الأخيرة بمبلغ 516 مليون دولار لاستبدال 140 جسراً وعشرات من خطوط المجاري، لكن هذا سيترك آلافاً آخرين بحاجة إلى ترقية.
ويتضمن افتتاح السهول الفيضية شراء المنازل. وبمساعدة وكالة إدارة الطوارئ الاتحادية، اشترت ولاية فيرمونت 154 منزلاً منذ عام 2011. وقد يحتاج الأمر شراء عشرة آلاف منزل آخر لتكون في الجانب الآمن، كما أشارت بلومبيرج نيوز. وقد تكون ترقية أنظمة إدارة المياه أكثر كلفة فلكية على الإطلاق، وقد تحتاج مدينة نيويورك وحدها إلى إنفاق 100 مليار دولار على مثل هذا المشروع. لكن لا يمكننا أن ندع حجم التحدي يظل يربك قدرتنا على حله.
*محرر يغطي شؤون المناخ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»