قمة شنغهاي وآفاق التعاون
عُقدت قمة زعماء منظمة شنغهاي للتعاون برئاسة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الأسبوع الماضي، وأُعلن فيها عن انضمام إيران كعضو جديد في التجمع. وقال مودي إن «تزايد العضوية أظهر أهميةَ المنظمة وأن اهتمام الدول الأخرى بالانضمام إلى كتلة شنغهاي دليل على أهميتها». ويضم تجمع شنغهاي للتعاون الهند والصين وروسيا وباكستان وقازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وإيران. وهو تكتل اقتصادي وأمني مؤثر ومتعددة الأطراف.
وبعد إيران بدأت روسيا البيضاء الآن عملية الانضمام، مما أثار الاهتمام بين الدول الغربية بسبب هيمنة روسيا والصين. ويعد انضمام إيران إلى هذه المنظمة مهماً بالنسبة للهند، حيث تحاول نيودلهي تعزيز الاتصال بإيران وما يليها من دول آسيا الوسطى. ويتوقع أن يكون هذا الانضمامُ دَفعةً محتملةً لمشروعات الهند التي تأخرت وضمنها مشروع ميناء تشابهار في إيران وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، وهو شبكة بطول 7200 كيلومتر من السفن والسكك الحديدية والطرق لنقل البضائع بين الهند وإيران وأذربيجان وروسيا وآسيا الوسطى وأوروبا.
واتخذ قرار عقد هذه القمة في وقت متأخر جداً، ربما لتقليص الأبهة المتوقعة. وفي الوقت الذي تبذل فيه الدول الغربية كل جهودها لعزل روسيا، ظلت دول منظمة شنغهاي للتعاون تبتعد عن توجيه اللوم إلى روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن «الدول الأعضاء في شنغهاي للتعاون يجب أن تعارض العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب»، فيما يُنظر إليه على أنه رد على العقوبات الغربية ضد روسيا.
وأنشأت الصين وروسيا ودولُ آسيا الوسطى مجموعةَ شنغهاي كتجمع أمني لمحاربة الإرهاب، من بين أهداف أخرى، ولتقديم بديل للتجمعات التي يهيمن عليها الغرب. وبالنسبة للهند التي أصبحت كاملة العضوية في هذا التجمع عام 2017 إلى جانب خصمها اللدود باكستان، تعد مكافحة الإرهاب هدفاً مهماً. وذكر بيان مشترك وقّعت عليه جميع الدول بما في ذلك باكستان، بعد قمة الزعماء، أنه من المهم مكافحة التطرف المؤدي إلى الإرهاب والانفصالية. وتحدَّث البيان عن كبح جماح الإرهاب والمخدرات في أفغانستان وإقامة حكومة تحتوي الجميع.
وتضم بلدان مجموعة شنغهاي 40 بالمئة من سكان العالم ونحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم. وبينما كان هدف الهند الرئيسي من الانضمام إلى التجمع هو الوصول بشكل أفضل إلى آسيا الوسطى بحثاً عن الطاقة لدعم اقتصادها المتنامي، فقد أثيرت أسئلةٌ داخل الهند حول فائدة أن تكون جزءاً من هذا التجمع. وعانت المنظمة من التناقضات الداخلية بسبب تزايد انعدام الثقة بين الهند والصين جراء الخلافات الحدودية المزمنة بينهما. صحيح أن الجدل داخل الهند حول مجموعة شنغهاي التي لا ترقى إلى مستوى إمكاناتها قد تستمر، لكن لا شك في أن المنظمة مهمة للهند ليس بسبب وصلها بدول آسيا الوسطى فحسب بل أيضاً لأنها تظهر الاستقلال الاستراتيجي للهند.
وعُقدت القمة بعد أسبوعين فقط من الزيارة التاريخية التي أداها مودي للولايات المتحدة وأظهرت التقارب المتزايد بين البلدين. وفي الوقت نفسه، واصلت الهندُ تعزيزَ العلاقات الوثيقة مع روسيا في مجالي الدفاع والطاقة، والتي تعد ضرورية لمتطلبات الأمن في البلاد ولنمو اقتصادها. وتُظهر عضويةُ الهند في منظمة شنغهاي أن الهند تنتهج سياسةَ خارجية تقوم على مصالحها الوطنية العليا.
وفي الوقت الذي تبرز فيه نيودلهي كواحدة من أقرب شركاء واشنطن، فقد رفضت إدانة روسيا وامتنعت عدة مرات عن التصويت ضدها، وهو موقف تفهمته الولايات المتحدة تقريباً. وكانت قمة الزعماء التي تمت عن بعد جزءاً من التواصل الدبلوماسي المكثف للهند هذا العام. ولم تكن المرة الأولى التي تستضيف فيها الهند قمة تجمع شنغهاي، بل احتضنت أيضاً أكثر من 140 اجتماعاً، بما في ذلك 14 اجتماعاً وزارياً. وستستضيف الهند في المرة القادمة قمةَ مجموعة العشرين التي سيحضرها الرئيس جو بايدن والزعيم الصيني شي جين بينغ. ويبقى أن نرى ما إذا كان الرئيس بوتين سيحضرها أيضاً.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي