ما وراء صراعات «وسائل التواصل»
شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيراً بعد إطلاق شركة «ميتا»، المالكة لمنصتي «فيسبوك» و«إنستغرام»، تطبيقاً جديداً يحمل اسم «ثريدز»، والذي يشبه بشكل كبير تصميم تطبيق «تويتر».
فقد حقق «ثريدز» نجاحاً سريعاً بحصوله على «10 ملايين اشتراك في سبع ساعات»، وفقا للرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، مارك زوكربيرغ. وقد أثار هذا الأمر استفزاز إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لمنصة «تويتر»، الذي أرسل رسالة لشركة «ميتا» قائلاً: «المنافسة مقبولة لكن الخداع مرفوض». وبناءً على ذلك، هدد موقع «تويتر» بمقاضاة شركة «ميتا» بسبب الاختلاس المنهجي غير القانوني لأسرار تجارية وملكية فكرية، بالإضافة إلى انتهاك حقوق البيانات.
ورغم هذه الاتهامات والمناورات بين ملاك المنصتين، يبدو أن الصراع يتعلق بالسياسة بشكل أساسي، وهي قضية معقدة ومتعددة الجوانب. ووفقاً لتحليل فيليب بامب في مقاله المنشور بصحيفة «واشنطن بوست» بعنوان «السياسة التي تدعم معركة وسائل التواصل الاجتماعي» بتاريخ 7 يوليو 2023، أشار الكاتب إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم استراتيجية جذب الجماهير بنفس الطريقة الاستقطابية المثيرة للجدل التي كانت تستخدمها وسائل الإعلام التقليدية في الماضي. وأدى ذلك الاستقطاب في نتيجته، إلى تجزئة المجتمع وانشقاقه، مما يجعل الجمهور يستقبل المعلومات التي تؤكد على معتقداته الحالية فقط ويتجاهل أو أحياناً يحارب المعلومات التي تتعارض مع فكره.
وهذا التقسيم الفكري المتزايد قد أسهم بشكل كبير في تصعيد التوترات السياسية في الولايات المتحدة وتعاظم نفوذ الأحزاب والتيارات المتطرفة على كلا الجانبين اليساري واليميني. واستناداً إلى ذلك، ونظراً لتوريث الاستقطاب من وسائل الإعلام التقليدية إلى وسائل التواصل الاجتماعي، يشهد الصراع المتعلق بـ«تسييس» محتوى تلك المنصات تصاعداً مستمراً.
ووفقاً لتقرير نشرته Post Politics على منصة Twitter، يتعلق الصراع حول وسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط بتصميم تلك المنصات ذاتها، بل أيضاً بالانقسامات السياسية والثقافية الأوسع التي تعم الولايات المتحدة الأميركية. وأصبح هذا الصراخ مصدر قلق لكلا الجانبين «اليساري» و«اليميني»، حيث يتبادل كل منهما اتهامات الرقابة والتحيز.
وقد يتسبب هذا التوتر والتبادل المستمر للاتهامات في تأثير كبير على وحدة الولايات المتحدة على المدى البعيد، وخاصة في ما يتعلق بالمشهد السياسي والاجتماعي. هناك مخاوف مشروعة بشأن القوة التأثيرية لهذه المنصات على الخطاب العام، خاصة في ظل سيطرة سوق وسائل التواصل الاجتماعي على يد مجموعة محدودة من رجال الأعمال الأثرياء، والذين يتمتعون بنفوذ كبير، يجعل من الصعب المنافسة معهم وهذا ما يسمى بـoligopoly «احتكار القلة».
لذلك يجب على صانعي السياسات إيجاد توازن بين حماية حرية التعبير ومنع انتشار المحتوى الضار أو غير القانوني في وسائل التواصل الاجتماعي. وللأسف، لا يوجد حل سهل لهذه المشكلة لأن محاولات تنظيم المحتوى على هذه المنصات ستواجه تحديات سياسية وقانونية، خاصة مع وجود حكومات منقسمة تعاني من نفس استقطاب تلك الشركات المحتكرة.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي