أميركا.. مشاكل أكبر من التضخم
عندما يشعر الناس بالقلق بشأن الاقتصاد الأميركي هذه الأيام، فإنهم ينظرون على المدى القصير. فلننس معركة التضخم: سيتم كسبها، وإن كان ذلك سيؤدي إلى ركود مؤلم.
وستعود البلاد مرة أخرى إلى مسارها السابق. لكن المشكلة الحقيقية تتمثل في هذا المسار. إذ ستتحول أميركا إلى اقتصاد يتسم باحتكار القلة، مما يؤدي إلى تهميش الغالبية العظمى من سكانها.
ولكي نفهم ما أعنيه، انظر إلى الاتجاهات التاريخية واستقرائها على مدى السنوات الخمس والعشرين القادمة، وستجد أن النتائج مقلقة. لنبدأ بالدخل. بحلول عام 2048، سيشكل أعلى 1% من الأميركيين دخلاً نسبة 22.5% من إجمالي دخل الأمة، وهي أكبر حصة منذ ذروة فقاعة الأسهم في عام 1928.
في غضون ذلك، سيصيب الركود الطبقة المتوسطة. وسيرتفع متوسط الدخل السنوي بنسبة 0.3% فقط في العام بالقيمة المعدلة حسب التضخم، ليرتفع من نحو 67000 دولار في عام 2021 إلى نحو 72000 دولار في عام 2048. وسينخفض دخل أفقر 10% من الأميركيين. أما النظرة المستقبلية للثروة فهي أسوأ. بحلول عام 2048، سينتمي أكثر من 62% من الثروة إلى أعلى 1% من الأميركيين، لتحطم الرقم القياسي لعام 1928 البالغ 51%.
وسينتمي ما يقرب من ربع الثروة إلى أعلى 0.01% من الأميركيين، وهو ما يتجاوز بكثير التفاوت الشديد في حقبة السارق البارون. (حقبة السارق البارون هو مصطلح مهين للنقد الاجتماعي يطبق أصلاً على بعض رجال الأعمال الأميركيين الأثرياء والأقوياء في القرن، حيث كان يُطبق على رجال الأعمال الذين يُزعم أنهم استخدموا الممارسات الاستغلالية لجمع ثرواتهم.)
كيف يحدث هذا؟ إنه بعيد كل البعد عن أن يكون حتمياً. تقف الولايات المتحدة، من حيث التنمية، على قدم المساواة مع الدول الصناعية في أوروبا الغربية. أما من حيث عدم المساواة، فهي أقرب إلى المكسيك وهايتي. وبدلاً من ذلك، تختار أميركا عدم المساواة. فالإجراءات الحمائية للفقراء ضعيفة للغاية: وفقاً للاتجاهات التاريخية، سيصل الحد الأدنى للأجور إلى 10.62 دولار فقط في عام 2048 بالقيمة الإسمية، مقابل 7.25 دولار كحد أدنى للأجور حالياً.
وستستمر التفضيلات للأثرياء في التوسع: وفقاً لممارساتنا، من المتوقع أن يصل المبلغ المعفى من ضريبة العقارات إلى 24.3 مليون دولار في عام 2048، ارتفاعاً من 12.9 مليون دولار اليوم. فكلما كانت الثروة أكثر تركيزاً، قلّت الضرائب عليها. ولن يقوم أي سياسي بحملته على أساس برنامج يعطي المزيد للأكثر ثراءً، مما يسمح للطبقة الوسطى بالكاد بتدبير أمورها وتضييق الخناق على الفقراء. ومع ذلك، ما لم تغير الولايات المتحدة مسارها، فهذا هو بالضبط المستقبل الذي تتجه نحوه.
كاثرين آن إدواردز*
*خبيرة في الاقتصاد العمالي ومستشارة سياسات مستقلة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»