بعد عقود من التكدس في مناطق معرضة بشكل متزايد للكوارث مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، سيضطر الأميركيون عاجلاً أم آجلاً إلى التقهقر. وتسير شركات التأمين في صدارة هذا الطريق بالفعل. ويجب أن نصغي للرسالة التي ينقلونها. فهي تقول إن تأمين وإسكان الأجزاء المعرضة للخطر من البلاد سيزداد تكلفة. وقالت «شرك أولستيت» في الآونة الأخيرة لصحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» إنها توقفت عن كتابة وثائق تأمين جديدة للمنازل في كاليفورنيا بعد سنوات من تكبد خسائر في حرائق الغابات، مشيرة إلى عدم القدرة على رفع أقساط التأمين بما يكفي لتغطية التكلفة.

وجاءت هذه الأخبار بعد أيام فقط من إعلان شركة «ستيت فارم»، أكبر شركة تأمين في كاليفورنيا، عن قرار مماثل. وعلى الرغم من أنه ما زال هناك شركات تأمين كثيرة تعمل في ولاية كاليفورنيا، تقود «أولستيت وستيت فارم» قائمة متزايدة من المنافسين الكبار المتجهين نحو الخروج من السوق. وطالبت مجموعة الدفاع عن المستهلك الناشطة بأن يقوم مفوض التأمين بالولاية «ريكاردو لارا» بسحب «ستيت فارم» إلى السوق مرة أخرى، مدعية أنه يتمتع بالسلطة بموجب مقترح كاليفورنيا رقم 103، وهو إجراء لعام 1988 يجبر الشركات على الحصول على موافقة الولاية قبل زيادة الأسعار.

وتصادف أن مؤسس مجموعة المستهلكين هو مؤلف المقترح الذي أريد به إبقاء الأسعار منخفضة. لكن إرغام شركات التأمين على استئناف كتابة وثائق تأمين لمالكي المنازل لن يعالج المشكلات الأساسية لمخاطر المناخ وأسعار التأمين مصطنعة الانخفاض. وعلى الرغم من التهديد المستمر للزلازل والتهديد المتزايد لحرائق الغابات والفيضانات، تتمتع كاليفورنيا بواحد من أدنى معدلات التأمين على المنازل في البلاد، كنسبة مئوية من متوسط دخل الأسرة، في معدل أقل من جورجيا وويست فيرجينيا، وفقا لبيانات بنكريت.

وبطبيعة الحال، فهذا المتوسط على مستوى الولاية يتجاهل التكلفة الباهظة للتأمين على منزل في منطقة «براديز»، التي دمرتها النيران، أو أي مكان آخر داخل المنطقة البرية المحفوفة بالمخاطر، على سبيل المثال. والأمر يتوقف بشكل متزايد على الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم البناء أو إعادة البناء في مثل هذه الأماكن وهم الأثرياء بما يكفي لتحمل أقساط هائلة ومواد وتقنيات بناء مقاومة للحريق. إنها مشكلة كبيرة لولاية تعاني من نقص مزمن في المساكن الميسورة التكلفة. ولا يعد وضع كاليفورنيا فريدا من نوعه، ففي جميع أنحاء البلاد، جعلت حركة «لا للبناء في فنائي الخلفي» من المستحيل تقريباً بناء مساكن أكثر كثافة بالقرب من مراكز العمل، مما أجبر الباحثين عن المنازل غير الأثرياء على هوامش الضواحي الأرخص، حيث تكون مخاطر الكوارث أعلى.

وغالباً ما ينتهي المطاف بالأشخاص الفارين من حرائق كاليفورنيا في أريزونا أو تكساس، حيث يتعرضون لخطر متزايد من الجفاف والحرارة الشديدة وغيرها من المشكلات التي يفاقهما تغير المناخ، إلى الاندفاع إلى هذه الأماكن ليس لأنهم يتجاهلون المخاطر لكن لأنهم بحاجة إلى وظائف ومأوى، وهي أقل سعراً من أماكن أكثر أماناً. ولا مصادفة أن معظم هذه الأماكن تعاني أيضاً من أزمات التأمين، حيث تعزف الشركات عن تقديم التأمين، أو يرفعون أقساط التأمين في المناطق المحفوفة بالمخاطر.

ولا يمكنك الحصول على رهن عقاري في هذا البلد دون تأمين المنزل. ولذا، من كاليفورنيا إلى فلوريدا، يجد كثيرون من المشترين أنفسهم عالقين في خيارات الملاذ الأخير التي تديرها الدولة. وعادة ما تكون هذه أكثر تكلفة وتوفر تغطية أقل من بدائل الشركات الخاصة، كما أن مواردها المالية غير مستقرة.

ويخاطر مزيد من الأشخاص بتغطية محدودة جداً في المناطق التي يحتاجون إليها بشدة. ويقول كينيث كلاين، الأستاذ في كلية الحقوق بولاية كاليفورنيا في سان دييجو، إن أحد الحلول الممكنة هو إجبار شركات التأمين على تقديم وثائق تأمين تغطي جميع الكوارث المحتملة، بالسعر نفسه، في جميع أنحاء الولاية. ويمكن لمثل هذا النهج أن يحل مشكلة مقترح كاليفورنيا رقم 103، بتحديد معدلات تأمين مستدامة تجعل المستهلكين والشركات سعداء، على الأقل على المدى القصير.

لكنها لن تعالج مشكلة تغير المناخ طويلة الأمد التي تجعل بعض أجزاء البلاد ليست فقط غير قابلة للتأمين لكن غير صالحة للسكن. وبالنسبة لمثل هذه المناطق، فإن الحل الوحيد طويل الأمد هو «التقهقر المنظم»، وهو عملية نقل الناس ببطء إلى أماكن أكثر أماناً. واتخذت ولاية أريزونا خطوة مهمة في هذا الاتجاه في الآونة الأخيرة، حين قلصت من تطوير ضواحي فينيكس سريعة النمو التي تفتقر إلى إمدادات المياه الكافية.

وهذا اعتراف مرحب به بأن تغير المناخ ودوام سوء الاستخدام قد تركا نهر كولورادو ومخزونات المياه الجوفية غير قادرة على دعم تجمعات بشرية غير محدودة في مثل هذا المكان المقفر. وسيكون من الصعب إدارة التقهقر من المناطق الضعيفة التي لا تعاقب السكان الضعفاء اقتصادياً، وتتركهم بلا مأوى.

وسيتطلب الأمر مزيدا من الواقعية التي عرضتها أريزونا للتو، واستعداد الحكومة لدفع مالكي المنازل للانتقال، مع بعض من التأييد من قبول البناء «في ساحتي الخلفية» من أشخاص يعتقدون أن الولاية بأكملها ستحتاج إلى توفير مساكن ميسورة التكلفة وكثيرة في مناطق آمنة. والبديل هو الوضع الراهن لشركات التأمين التي تستمر في تكبد خسائر فادحة، وأن يتعثر أصحاب المنازل والحكومات بمليارات الدولارات في مطالبات الأضرار غير المغطاة وأحكام السوق القاسية على الفقراء والطبقة الوسطى. والتقهقر كامن في مستقبلنا. لكن ما زال بوسعنا أن نتقهقر هلعاً أو بنظام.

*كاتب يغطي قضايا تغير المناخ.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»