هوامش شرق أوسطية 2
كتب الباحث الإسرائيلي كوبي هوبرمان مقالاً متزامن النشر مع مقالي الأول تحت نفس العنوان الحاضر، ومقال هوبرمان نُشر على موقع مبادرتنا الشرق أوسطية MENA2050.
والمقالان من حيث الفكرة يتناولان أمرين هما: انتقال واقع الشرق الأوسط من ثنائي الأبعاد سياسياً بين 2002 و2022، وما فرضته التحولات من ضرورات، وأولها إعادة تعيير المناظير لتكون ثلاثية الأبعاد، ومواجهة التحديات بشجاعة بما في ذلك عدم ترحيل ملف السلام في الشرق الأوسط من منظور التعاون والتكافل الإقليمي، ولمصلحة جميع شعوب المنطقة.
ومرة أخرى، لا يمكن إغفال مكانة التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة، إلا أن الإمعان في تعظيمه سيأتي على حساب التنمية الداعمة لإعادة الاستقرار، والأمثلة كثيرة ومنها الكهرباء مقابل الماء (الإمارات/ الأردن/ إسرائيل)، إطلاق الصندوق السيادي السعودي مبادرة الاستثمار المباشر في العراق ذي النطاقات المتعددة، التعاون الإقليمي متعدد الأطراف في نقل الطاقة الكهربائية إلى لبنان، وكذلك ربط العراق بشبكة الربط الكهربائي الخليجية.
التحديات التي ستفرضها التحولات المناخية على عموم المنطقة سيكون وقعها أكبر من كل ما عاشته المنطقة من حروب في حال أهملنا تطوير مفهوم التعاون الإقليمي أولاً.
ولنأخذ ما أحدثته المواثيق الإبراهيمية من تحولات في مفهوم الجغرافيا السياسية والاجتماعية إقليمياً. فهناك انفتاح ثقافي وإنساني عبر كل الوسائط، وعلينا البناء على ما أنتجته تلك الثقافة من آليات مباشرة وغير مباشرة. وكذلك إمكانيات تحرير رؤوس الأموال الإقليمية في الاستثمار المباشر عبر مسارات الصناديق السيادية من خلال إنشاء شراكات وصناعة التمويل. فثروات القطاع الخاص الخليجي تتجاوز 4 تريليونات دولار، وكلنا لمس ما حققه ذلك القطاع من عوائد بعد مشاركاته المباشرة في إنقاذ القطاع المصرفي الدولي (أوروبا والولايات المتحدة تحديداً) بعد الانهيار المالي في 2008.
لا حدود لآفاق التنمية إقليمياً خصوصاً بعد ما حققه الاستثمار الاستراتيجي في البنى التحتية خليجياً من ربط شبكة سكك الحديد وتخلق قطاع لوجستي واعد، وربط كهربائي، وتطور في قطاعات الرعاية الصحية والتأمين الصحي، والتعليم المهني والفني، والتحول الاقتصادي (ما بعد النفط)، وتنمية قطاع معرفي واعد، مما أسهم في تعميق حالة الاستقرار الاجتماعي وتمكين المواطنة الخليجية، وكذلك التكافل الإقليمي أمنيا وتنمويا.
وبالعودة لأسس الاستقرار الإقليمي الأوسع، فإن تجربة الماء مقابل الكهرباء (الإمارات/ الأردن/ إسرائيل) تعد أنموذجاً غير مسبوق في التعاون الإقليمي، ويمكن البناء عليه في تطوير قطاعات عدة في الأردن ومنها الزراعة (النموذج الإسرائيلي في استصلاح وزراعة صحراء النقب) وكذلك قطاع التعدين (الفوسفات) وقطاعات خدمية. ولنا أن نتصور دخول شركاء إقليميين واستراتيجيين في رفد مثل تلك المشاريع، أو إعطاء الأردن صفة الشريك التجاري الحر من قبل الولايات المتحدة، مما سوف يدعم تدفق رؤوس الأموال المطلوبة لتطوير تلك القطاعات، خصوصا وأن الأردني عالي الكفاءة تعليميا ومهنيا.
وكذلك هو حال الاستفادة من النموذج السعودي في العراق (الاستثمار المباشر من قبل صندوقها السياسي)، فالعراق سوق واعد وقادر على الإسهام بشكل استراتيجي في الأمن الغذائي إقليميا، وبوابة لشرق ووسط آسيا، وتنمية كل قطاعاته ستعود بالنفع على عموم المنطقة. نجاح أو إنجاح مثل تلك النماذج يتطلب شراكات حقيقية، وأولها الإصلاح المالي والإداري وحوكمة جادة، ولتحفيز المزيد من مسارات التعاون الإقليمي، فإن على الدول المستهدفة للاستثمارات الخليجية إنفاذ آليات حوكمة جادة.
*كاتب بحريني