حفاظاً على قيمة الألقاب العلمية
هناك جهد مؤسسي احترافي تقوم به وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات تشكر عليه، لأنها تستهدف من خلاله حماية البيئة العلمية والأكاديمية والمجتمع المعرفي من تسلل هواة حمل شهادات الدكتوراه غير الموثقة والمشكوك فيها، حيث تفرض الوزارة إجراءات دقيقة تجعل منها جداراً منيعاً يحد من العبث بالقطاع الأكاديمي والمعرفي.
ومن المعروف أن الألقاب العملية وشهادات الدكتوراه تعتبر إشارةً إلى قيمة علمية، وإلى إنجاز حققه حامل لقب الدكتوراه مقابل بحث ورسالة أنجزها وأشرف عليها أكاديميون، بحيث يمنح اللقب مقابل تحقيق الدارس إضافةً معرفيةً في حقل الدراسات أو المجال الذي تناوله في رسالته. لكن خلال العقد الأخير زاد شغفُ البعض بالحصول على ألقاب علمية وشهادات دكتوراه، وللأسف عثروا بسهولة على مَن يتاجرون بالشهادات الزائفة التي تقدمها دكاكين متخصصة في هذا النوع من التزييف، وحمل البعض لقب الدكتور دون أن يقدموا إضافاتٍ علميةً تستحق ذلك اللقب، الذي أصبحت قيمته تقل بسبب هؤلاء يوماً بعد آخر، حيث ازدادت أعداد مَن يحصلون عليه، ويسعون إلى إضافته إلى أسمائهم للتفاخر.
ولتلبية هذا الشغف والرغبة في حمل حرف الدال، ظهرت العديد من الجامعات الوهمية والمعاهد التي تبيع الوهم، وتمنح مثل هذه الشهادات لمن يطلبها، وبعضها صارت تقدم هذه الألقاب من خلال التواصل عن بُعد، وبعض تلك الجامعات والمعاهد الوهمية التي تتاجر بالألقاب العلمية وتشوه لقب الدكتوراه تنتشر في العديد من الدول، فيما تواجه وزارة التربية والتعليم ذلك بإجراءات صارمة من خلال الحرص على تصديق الشهادات الموثوقة من الجامعات المعترف بها فقط. المؤسف أن بعض مَن يحصلون على تلك الشهادات الوهمية يريدون أن يقارنوا أنفسهم بمن تعبوا وسهروا وواجهوا الغربة لسنوات حتى حصلوا على شهاداتهم من جامعات عريقة، تطلبت منهم إتقان لغات أخرى غير لغتهم الأصلية.
ومن علامات زيف دكاكين المتاجرة بالألقاب والشهادات العلمية، أنها تتواجد في بلدان لا تنطق بالعربية، ومع ذلك توفر دراسة الدكتوراه باللغة العربية لتسهيل وزيادة بيع شهاداتها الوهمية.
ومع تسارع التطورات العلمية والتكنولوجية وازدياد حاجة المجتمعات إلى الخبرات والكفاءات الحقيقية، من الضروري تشديد حماية الألقاب العلمية من التشويه والتزوير والاستغلال، خاصة بعد أن شهدنا في السنوات الأخيرة زيادةَ الطمع في حمل لقب دكتور أو أستاذ دون أن يبذل الطامعون في هذا اللقب جهداً أو يقدموا إضافةً علميةً
إن هذه الظاهرة تشكل خطراً، وكل جهد يبذل من أجل الحد منها يستحق الإشادة به، إذ يساهم في حماية القطاع الأكاديمي والتعليمي والبحثي، ويحافظ على مصداقية وجودة الألقاب العلمية الحقيقية.ومما لا يمكن السكوت عنه أو تجاهله، أن تجارة إصدار شهادات الدكتوراه تثير استياءَ الأشخاص الذين يقدرون قيمةَ التعليم والعمل الجاد، وفي النهاية فإن الخاسر الأكبر هو المجتمعات والمؤسسات والقطاعات التي ينجح أصحاب الشهادات الزائفة في اختراقها ليبيعوا لها الوهم، لأن أمثال هؤلاء لا يمكن أن يقدموا معرفة أو يحلوا مشكلة طالما أنهم يهتمون بالألقاب والشهادات من مدخل الوجاهة وليس من مدخل العلم والمعرفة.
على مَن يرغبون في حمل ألقاب علمية كبيرة، عدم تضييع أوقاتهم مع جامعات أو معاهد غير معترف بها، لأن الجهات الرسمية لا توثق ما يصدر عنها من شهادات، وبذلك يوفرون على أنفسهم الوقتَ والجهدَ والمال، ويمكنهم بذل جهد أكبر كما فعل غيرهم ممن بحثوا ودرسوا وسهروا من أجل تعلّم لغات أخرى، والتقدم برسائل علمية حققت لهم الحصول على اللقب الذي يستحقونه بجدارة ومن جامعات عريقة عمرها مئات السنين.
*كاتب إماراتي