«ميتا» وغرامة انتهاك الخصوصية الأوروبية
قام مارك زوكربيرج بتدشي «ميتا بلاتفورمز» لربط العالم. ولسوء الحظ فإن ربط الناس عبر القارات يتعارض مع قواعد مختلفة للخصوصية. ولذا تعرضت شركته في الأيام القليلة الماضية لأكبر غرامة مالية حتى الآن من هيئات حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، وقيمتها 1.2 مليار يورو (1.3 مليار دولار)، بسبب شكوى حول الطريقة التي عالجت بها الشركةُ البياناتِ الأوروبيةَ في الولايات المتحدة، التي يزعم أصحاب الشكوى أن قوانين المراقبة فيها انتهكت خصوصيتَهم. وبوسع الحكم، من الناحية النظرية، أن يؤثر على شركات التكنولوجيا الأميركية الأخرى، مثل ألفابت وأمازون، لأنها تتطلب أيضاً أن تكون جميع البيانات الأوروبية التي خزنتها «ميتا» سابقاً، بقيمة عقد تقريباً، متوافقة في الأشهر الستة المقبلة.
وبعبارة أخرى، لم يعد لدى «ميتا» مسار قانوني لمعالجة البيانات الأوروبية الموجودة في خوادمها الأميركية، وإذا لم يوافق المحامون على ترتيب بديل للتحويل القانوني لبيانات الاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة المقبلة، يتعين على «ميتا» حذف جميع بيانات الاتحاد الأوروبي وبيانات المستخدم التي تم تخزينها في الولايات المتحدة. وهذه ليست مهمة سهلة، نظراً لأن مهندسي الشركة قد اعترفوا في ملفات المحكمة بأن العثور على ملفات شخصية فردية على فيسبوك، من بين جبال البيانات الشخصية التي جمعتها الشركة على مليارات الأشخاص، أمر مستحيل. والخبر السار لميتا هو أن هناك فرصة جيدة لن تضطر إلى فصل بيانات المستخدم الأوروبية وحذفها. والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتفاوضان حالياً حول اتفاقية جديدة لنقل البيانات ستجعل أمرَ اليوم موضع نقاش فعال. ومن المتوقع أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق بحلول نهاية الصيف الحالي، بحسب مصادر قريبة من ميتا وجهات تنظيم حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي.
وإذا لم يتوصلوا إلى اتفاق في الوقت المناسب، ولم تنجح جهود ميتا للاستئناف وتأجيل الحكم في المحكمة، كما تأمل الشركة، فسيتعين على الأخيرة الخضوع لجهد غير مسبوق لإزالة بيانات مئات ملايين الأشخاص من أنظمتها. فكم سيكلف هذا؟ وكيف سيعمل فك تشابك البيانات في الممارسة العملية؟ ما زال الأمر غير واضح. بمعنى ما، يعد هذا انتصاراً رمزياً لمنظمي الخصوصية، لأنه يظهر الاتحاد الأوروبي جاداً في تطبيق قانونه المعروف باسم اللائحة العامة لحماية البيانات.
وفي حين أن غرامة بـ1.3 مليار دولار تمثل ضربةً كبيرة في الوقت الذي يحاول فيه زوكربيرج جعل الشركة أكثر كفاءة، فإنه بالإمكان اعتبارها ككلفة لممارسة الأعمال التجارية. لقد حققت الشركة إيرادات بقيمة 28.7 مليار دولار في الربع الأول من عام 2023. وستكون هذه الغرامةُ العقوبةَ الأكبر، إذا لم يتم استباقها بموجب اتفاقية جديدة عبر المحيط الأطلسي أو بطعون قضائية، وفي كلتا الحالتين سيكون هناك تغيير كبير في طريقة معالجة ميتا لبيانات الأوروبيين.
وجاء هذا الحكمُ نتيجةَ قضية رفعها الناشط النمساوي بشأن الخصوصية «ماكس شريمس» الذي قدم قبل 10 سنوات طعناً قانونياً ضد ميتا لفشلها في حماية حقوق الخصوصية الخاصة به. وأخبرني شريمس أنه من الصعب عليه الشعور بالنصر حيث يوجد دائماً احتمال قوي بأن ميتا سوف تستأنف الحكمَ وتؤخّره لسنوات من خلال إجراءات المحكمة. وقال إنها ستكون دورةً عبثيةً أخرى. وحذر شريمس أيضاً من أنه ليس هناك ما يضمن أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيتوصلان إلى اتفاق بشأن نقل البيانات. وقال: «ميتا تخطط للاعتماد على الصفقة الجديدة في عمليات النقل في المستقبل، لكن من المحتمل ألا يكون هذا حلاً دائماً». وقال متحدث باسم ميتا إن الشركة تقوم بتقييم القرار وتداعياته. وجاء في بيان رسمي لميتا في الأيام القليلة الماضية: «هذا القرار معيب وبلا مسوغ ويمثل سابقةً خطيرةً لعدد لا يحصى من الشركات الأخرى التي تنقل البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة».
وعلى العموم، فإنه من المحتمل أن تستمر ميتا في التمتع بالوضع الراهن، عبر تلقيح بياناتنا عبر القارات لسنوات قادمة وجني أرباح بمليارات الدولارات من خلال أعمالها الإعلانية المستهدفة. لكن هناك احتمال أن تنقلب الأمورُ بشكل خطير، وقد يصبح حكم الأيام القليلة الماضية أشد ألماً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»