الرهان على نهضة باريس المالية
بدت سماء باريس هذا الأسبوع مختلفة تماماً عما كانت عليه في مارس الماضي حين ملأت الأجواء سحب الدخان نتيجة احتجاجات إصلاح المعاشات التقاعدية، واضطر الملك تشارلز الثالث إلى إلغاء زيارة كانت مقررة. ونظراً لاستضافة العاصمة الفرنسية لحدث جيه.بي. موجان تشيس في مركز بومبيدو في الأيام القليلة الماضية، يستطيع الحضور بدلاً من ذلك رؤية الرافعات التي تقدم مشاريع بناء جديدة، والمدينة التي تستعد لدورة الألعاب الأولمبية في العام المقبل، ومقرات جديدة لبنوك تنمو في القارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مقر لجيه. بي. مورجان.
وفي ترديد للتناقض الذي شهد نمو الاقتصاد الفرنسي بمعدل جيد على الرغم من كآبة مستوى الركود بين المستهلكين، وكان المصرفيون المجتمعون أكثر تركيزاً على النهضة المالية في باريس بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من تركيزك على المشكلات السياسية لإيمانويل ماكرون أو شعبية مارين لوبان المتزايدة. وأشادوا بمجموعة المواهب في فرنسا من كليات الهندسة النخبوية التي لم يعد يمكن الوصول إليها مجاناً من لندن - والدعم الحكومي للبحث والتطوير الذي ساعد البلاد على تصدر استطلاعات الاستثمار الأجنبي، وفي الآونة الأخيرة اجتذبت مشروع مصنع ضخم في تايوان بقيمة 5.2 مليار يورو (5.7 مليار دولار). وقال أحد المصرفيين: «هناك زخم في باريس».
وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو غير بدهي نظراً لمستويات الديون الممتدة، والاضطرابات الاجتماعية وأسعار الفائدة المتزايدة، فالحالة المزاجية تشير إلى مزيد من التوسع الأوروبي في المستقبل بالنسبة للبنوك الأميركية التي تراقب المرونة الاقتصادية بدلا من مجرد الصوت العالي للجهات التنظيمية. وذكرت فانيسا هولتز من «بنك أوف أميركا» لبلومبيرج أن شركتها تخطط لمواصلة تعزيز تواجدها في باريس حتى بعد زيادة أعداد الموظفين بأكثر من ثمانية أضعاف في أربع سنوات. و«تحول النظام» للتضخم الأسرع وارتفاع كلفة المعيشة في مدن غربية كثيرة يعني أن الإضرابات المنتظمة لم يعد يُنظر إليها على أنها شيء مقتصر على فرنسا، كما قد يدرك أي زائر في الآونة الأخيرة للمملكة المتحدة. وهذا يثلج صدر ماكرون، على الرغم من أنه يفضل في الوقت الحاضر التركيز علناً على الفكرة الشعبية المتمثلة في إعادة فرنسا إلى التصنيع بدلاً من تعزيز التمويل أو الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
ولكن في الوقت نفسه، هناك أجواء تتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم تجاه الإجراءات. فبينما كانت باريس من بين المستفيدين الكبار من الوظائف التي تقدر بنحو 7000 وظيفة أو نحو ذلك، غادرت هذه الوظائف لندن واتجهت إلى الاتحاد الأوروبي، وبدأت في استقطاب مزيد من مديري الصناديق وكذلك المصرفيين الاستثماريين والمتداولين، لكن لم يكن هناك أي مؤشر حتى الآن على أن تحتل مكانة لندن بشكل واضح كعاصمة مالية في أوروبا. فما زال النظام المالي في منطقة اليورو أكثر انقساماً مما كان عليه قبل الأزمة المالية لعام 2008، ولا يمكن لأي مركز حتى الآن أن يضاهي المملكة المتحدة التي تذخر بنحو 200 ألف وظيفة مالية في العاصمة. وبقي كبار صانعي القرار ومديري الصناديق في أماكنهم ونمت بعض شركات التمويل في لندن أيضاً.
ربما يكون الذين يرون أن الكأس نصف ممتلئة على حق في افتراض أن «الزخم» الباريسي سيفوز باليوم. وهناك عدد أكبر من المصرفيين ذوي الدخل المرتفع في فرنسا أكثر مما كان عليه في السابق - وهي علامة على أن الانتقال إلى العاصمة الفرنسية لم يعد قاتلاً للمشوار المهني، بل مكاناً قد يرغب المرء بالفعل في العيش فيه مع وسائل راحة على غرار لندن وشبكة أمان اجتماعي في حال بدأ صاحب العمل في تقليص الوظائف. وجاء على موقع efinancialcareers على الإنترنت في الآونة الأخيرة أن «فرانكفورت قرية، وميلانو بدعة، وباريس هي لندن الجديدة». لكن الكثير سيعتمد على مدى صرامة المنظمين في توجيه البراعة إلى البنوك العالمية للتأكد من أن بؤر تمركزهم في القارة لا ترقى إلى «محاور فارغة» تعتمد بشكل كبير على لندن. ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي مازال مدمناً على البنية التحتية التجارية في لندن، مثل المقاصة، والتي كان صانعو السياسة في القارة مترددين في جرها إلى الشاطئ على عجل إذا كان ذلك يعني إرهاق الشركات المحلية والمنظمين بتكاليف إضافية.
وفي نهاية المطاف، فإن أفضل طريقة لباريس لمواصلة جذب الوظائف والاستثمار والمواهب هي العمل مع مدن أخرى من دبلن إلى أمستردام على دمج 27 سوقاً متباينة في أوروبا و450 مليون مستهلك. حتى الآن، فإن الاتحاد الأوروبي قام بعمل سيئ للغاية، مع وجود اتحاد مصرفي لا يزال غير مكتمل وسوق رأسمال لا يزال مجزأً. ومع وجود تريليونات اليورو من التمويل المحتمل على المحك، وقائمة طويلة من الاستثمارات للتمويل من الطاقة المتجددة إلى الرعاية الصحية، هناك فرصة أكبر لتوحيد 27 مركزاً مقارنة بمحاولة اختيار مركز لمنافسة المدينة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»