خطورة خرق سقف الدين الأميركي
يلعب الرئيس بايدن لعبة خطيرة حالياً. فحينما يكون العجز في إنفاق الحكومة الفيدرالية على وشك تجاوز المبلغ الذي رخّص لها الكونجرس باقتراضه وتكون وزارةُ الخزانة قد استنفدت ما يعرف بـ«التدابير الاستثنائية» لتفادي الكارثة، فيجب على الكونجرس والرئيس التفاوض حول حل وسط، وإلا واجهت البلاد احتمال التخلف عن سداد ديونها.
والواقع أن مجلس النواب أقر مشروع قانون من شأنه رفع سقف ديْن البلاد بـ1.5 تريليون دولار، إلى جانب تخفيضات مقترحة للإنفاق؛ كما أبدى زعماؤه «الجمهوريون» استعدادهم للتفاوض. ولكن بدلاً من ذلك، طالب بايدن الكونجرس برفع سقف الدين من دون شروط.
والحال أن إصرار «جمهوريي» مجلس النواب على المفاوضات والتوصل لحل وسط ليس عملية «اختطاف» أو «احتجاز للرهائن»، وإنما جزء من الممارسة السياسية العادية. ويمكن للجانبين ادعاء ما يريدانه، غير أنه يتعين على الكونغرس والرئيس في نهاية المطاف التوصل إلى اتفاق. وهذا ليس أمراً سيئاً، بل أمر جيد. ذلك أن الدستور لا يسمح بحل أحادي الجانب لأي طرف.
ولنبدأ بالمبادئ الأساسية للدستور. فالقسم الثامن من المادة الأولى يعدِّد صلاحيات الكونغرس، إذ ينص البندُ الأول من القسم الثامن على أنه يجوز للكونغرس «فرض الضرائب وجبايتها». كما تنص المادة الثانية على أن للكونغرس سلطة «اقتراض الأموال لحساب الولايات المتحدة». وهذه البنود مطلقةٌ إذ لا يجوز للسلطة التنفيذية، بموجب سلطتها، فرض ضرائب أو اقتراض الأموال. وإلى جانب سلطة الإشراف على المال، تُعرف هذه الصلاحيات باسم «سلطة المحفظة»، وهي تعود إلى السلطة التشريعية بالكامل.
هذه الأحكام تتبوأ الصدارة بين سلطات الكونجرس لسبب. ذلك أنه قبل ثورة 1688 المجيدة والحرب الأهلية الإنجليزية، فرض ملوكُ ستيوارت سلطة فرض الضرائب والاقتراض من دون موافقة برلمانية، مما يعني عملياً سلطة الحكم بدون برلمان. ولم تكن النتيجة مجرد حكم استبدادي في الداخل، وإنما تخلّفاً دورياً أيضاً عن تسديد الديون الملكية، وأسعار فائدة فلكية للاقتراض الحكومي، وحرباً أهلية في نهاية المطاف. ولأن واضعي الدستور الأميركي لم يرغبوا في إعادة إنشاء ملكية ستيوارت، فإن أول فقرتين من القسم الثامن تعكسان هذا النفور. وقد تكون «قوةُ المحفظة» العنصر الأساسي في نظام الرقابة والتوازن الأميركي.
والواقع أن سقف الديْن ليس أكثر من ترخيص من الكونجرس لاقتراض مبلغ معيّن، إلى حد معيّن. ولهذا، فإن سقف الدين ليس قيداً على كان ما يمكن أن يكون قدرة الرئيس على الاقتراض؛ وإنما هو ترخيص للسلطة التنفيذية للاقتراض إلى حدود ذاك السقف. سقف لا يستطيع الرئيس تجاوزه.
ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن مستشاري الرئيس بايدن يفكرون حالياً في انتهاك سقف الديْن الذي حدّده الكونجرس بناء على تأويل ضعيف للقسم الرابع من التعديل الدستوري الرابع عشر يدفع به بعض الأكاديميين. والحقيقة أنه سبق لإدارات أميركية سابقة أن راودتها هذه الفكرة، ولكنها رفضتها جميعها في نهاية المطاف. ويجدر ببايدن فعل الشيء نفسه، لأن من شأن فكرة مستشاري بايدن تحريف كلمات التعديل الرابع عشر، وتجاهل تاريخه، والتسبب للأسواق في اضطرابات.
وعلاوة على ذلك، فحتى لو أصدر الرئيسُ سندات جديدة من دون إذن من الكونجرس، فإن نص القسم الرابع يشير إلى أن هذه السندات لن تكون ملزمة دستورياً. ذلك أن الدَّيْن العام «المصرح به بموجب القانون» فقط له هذا الوضع. ولو أصدر الرئيسُ بايدن سندات بناء على سلطته الأحادية، فإن سوق السندات ستعرف أن تلك السندات ليست مدعومة بالتزام من جانب الولايات المتحدة بالوفاء بالتزاماتها المالية. ولذلك، فإن المستثمرين العقلاء سيحجمون عن شراء مثل هذه السندات، أو سيطالبون بعلاوةِ مخاطرةٍ باهظة جداً، مما سيجعلها غير اقتصادية.
بعض الأشخاص يفترضون أن سلطة الرئيس في إصدار ديون جديدة ستُحل قانوناً من قبل المحكمة العليا، ولكنها في الواقع ستُحل لأهداف عملية من قبل أسواق السندات حتى قبل أن تتمكن المحاكم من أن تقول كلمتها. وقرارها لن يكون ساراً.
وعليه، فإن الرئيس بايدن لديه خيار حقيقي واحد فقط إن كان يرغب في تجنب التخلف عن سداد الديون، ألا وهو: ضرورة التفاوض مع الكونجرس، وهو الفرع الحكومي الذي يتمتع بسلطة الاقتراض والإنفاق. وإذا كان ذلك يعني الموافقة على تقليص الإنفاق، فإن ذلك ليس معناه الكارثة. فهذا ما فعله الرؤساء السابقون. ثم إن بايدن نفسه، بصفته نائب الرئيس، تفاوض حول مثل هذه الصفقة بين الرئيس باراك أوباما والكونجرس. وعليه، فيمكن القول إن الفكرة التي تقول إن التعديل الرابع عشر يمنح الرئيسَ سلطةً أحادية الجانب للاقتراض سخيفةٌ وخطيرةٌ.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»