الاستثمار لتوطين التكنولوجيا صديقة البيئة
خلال السنوات القليلة القادمة، تراهن دول العالم أجمع على الإسراع بجهودها المناخية، لكن قلة منها فقط لديها فرص جادة لكسب هذه المراهنة، والمعيار الأول في ذلك هو ما تملكه فعلًا من رصيد تكنولوجي صديق للبيئة، أو ما تراكمه من ابتكارات تدعم طموحها المناخي، الذي بات متجليًا في أهداف خط الأساس للعام 2050.
والتكنولوجيا صديقة البيئة ليست منقطعة الصلة بواقع التكنولوجيا عمومًا في أي اقتصاد. ذلك أن الدول الصناعية المتقدمة تكنولوجيًّا هي التي راكمت أرصدة من التكنولوجيا صديقة البيئة أو قليلة الانبعاثات الكربونية، وهي أيضًا التي قطعت أشواطًا طويلة لتطوير تكنولوجيا التقاط وتخزين الكربون في باطن الأرض.
انظر مثلًا إلى واقع الدول الأوروبية، فستجد أن أعلى الدول في الابتكارات النظيفة، حسب نتائج مؤشر المستقبل الأخضر للعام 2022، هي ذاتُها الدول التي ترتقي في مؤشرات التصنيع، واقتصادات الدول الإسكندنافية مثال شهير في هذا الصدد. وليس في ذلك ما يدعو للعجب، إذ إن امتلاك ناصية العلوم والتكنولوجيا التطبيقية، يعني أنَّ من السهل تطبيقها في المجالات الإنتاجية المختلفة، بما في ذلك المجالات الصديقة للبيئة أو الداعمة للتحول بعيدًا عن الطاقة الأحفورية. وهنا تحديدًا تظهر أهمية توطين التكنولوجيا النظيفة ضمن جهود العالم لإحراز نجاحات مناخية متوازنة جغرافيًّا ومستدامة تنمويًّا. ولكن ما هي البدائل الاستثمارية المتاحة حاليًّا لتوطين هذه التكنولوجيا في حالة الدول الآخذة في النمو؟
إن البديل الأكثر فاعلية لتوطين التكنولوجيا النظيفة يدور حول توافر مصادر كافية لتمويل هذه الابتكارات. وفي ظل شُحّ هذه المصادر محليًّا في الدول التي تكابد مشقة العمل المناخي، يكون الاستثمار الأجنبي المباشر الموَطّن للتكنولوجيا حلًّا سحريًّا، بَيد أن هذا الاستثمار يحتاج إلى استعدادات استباقية من الدول المضيفة كي تتولد لديه حوافز تجارية تحمله على هذا التوطين. وعلى رأس هذه الحوافز أن تتهيأ وتتيسر بيئة الأعمال المحلية، وأن ترتقي المهارات العمالية لمواكبة تطلعات هذا النوع من الأنشطة الابتكارية، ناهيك طبعًا عن أهمية تحييد الاعتبارات السياسية بعيدًا عن أنشطة توطين التكنولوجيا من قبل الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويمكن القول أيضًا إن البديل الآخر المتاح للدول الآخذة في النمو لتوطين التكنولوجيا الصديقة للبيئة يتمثل في الصفقات المحلية الخضراء. وفي التجربة الدولية، مُوّلت هذه الصفقات من خلال تعزيز استثمارات القطاع الخاص ودعم دَور رواد الأعمال المحليين لتنشط الابتكارات الوطنية و/أو المحاكاة التوطينية للابتكارات الدولية في القطاعات الخضراء وفي مصادر الطاقة المتجددة، كما حدث في دول آسيوية عديدة.
ويمكن الإقرار كذلك أنه في حالة الدول الآخذة في النمو فليس من المتوقع تحقيق نجاح ملموس ومستدام لهذه الصفقات الخضراء من دون دعم تنظيمي من الأجهزة الحكومية، وبالقدر الذي يراعي الممكنات المحلية ولا يغفل عن التحديات والمعوقات الرابضة في طريق توطين هذه التكنولوجيا شديدة الأهمية لاستدامة العمل المناخي في هذه المجموعة من الدول.
*رئيس قطاع البحوث والاستشارات- مركز تريندز للبحوث والاستشارات